وكم فككت من الاغلال عن عنق ... وكم سددت بهذا الفتح من خلل
أنت الأمير الذي للمجد همتّه ... وللمسالك يحميها وللدول
وللمواهب أو للخَطّ أنمله ... ما لم تحنّ إلى الخطية الذبل
ومنها:
الجابرين صدوع المعتفي كرما ... والكاسرين الظبي في هامة البطل
والعادلين عن الدنيا ونضرتها ... والسالكين على الاهدى من السبل
ومن نثره ما كتبه في حق رجل حرفته استجداء الأعيان، واستعداء معروفهم على نوب الزمان، يعرف بالزريزير ويصف الزرزور: يا سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وسراجي الأجلى، ومن أبقاه الله، والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة، موصله وصل الله حبلك حيوان يصفر كل أوان، ويسفر بين الإخوان، رقيق الحاشية، أنيق الشاشية، يعتمد على كدواء، ويسمع بجدواء، وينظر من عين، كأنها عين، ويلقط بمنقار، كأنه من قار، أطبق على لسانه كأنه إغريضة، في جوف إحريضة، يسلي المحزون، بالمقطع والموزون، وينفس عن المكظوم، بالمنثور والمنظوم، مسكي الطيلسان، تولد بين الطائر والإنسان، كما سمعت بسمع الفلاة، وعمرو بن السعلاة، قطع من منابت الربيع، إلى منازل الصقيع، ومن مطالع الزيتون، إلى مواقع السحاب الهتون، فصادف من الجليد، ما يذهب قوى الجليد، ومن البرد، ما لا يدفعه ريش ولا برد، والحدائق قد غمضتى أحداقها، وانحسرت أوراقها، والبطاح قد قيدت الفور، بحبائل الكافور، وأوقعت الصرد، في شرك الصرد، فمني البائس بما لم يعهده، كما وسم بالزرزورولم يشهده، ولما فال رأيه، وأخفق أو كاد سعيه، التفت إلى عطفة أشمط، وإلى أديمة أرقط، فناح، ثم سوى الجناح، وقد نكر مزاجه، ونسي ألحانه وأهزاجه، ولا شك أنه واقع بفنائك، وراشف من إنائك، وآمل حسن غنائك واعتنائك، وأنت بارق ذلك العارض، ورائد ذلك الأنف البارض، تهيء له حبا، يجزيك عنه ثناء جميلا رحبا، وقد تحفظ يا سيدي رسائل، جعلت له وسائل، فسام بها أهل الأدب، سوء العذاب، ودعي البطي منهم إلى الإهذاب:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن ... لم يستطع صولة البُزْل القناعيس
وإذا ألقي كتابي إليك، يفسر هذه الجملة عليك، لازلت منافسا للعلوم، آسيا للأحوال والكلوم.
[الوزير أبو محمد ابن سفيان]
قرضه صاحب القلائد بالرتبة العالية، والحالة الحالية، والجد الصاعد، والهمة الواطئة بأخمصها هام الفراقد، والرأي المتوصل به إلى إنالة المقاصد، وإلانة الشدائد، واليراع المستخدم به بيض الصفائح لسود الصحائف، والبلاغة الموضحة غرر الكلم الفصائح في جباه المعارف، وقيامه في دولة آل ذي النون، قيام الأمين المأمون، حتى أنقت نظارة أيامها، وأغدقت غزارة انعامها، ورجيت بوارقها، وأمنت بوائقها، ووصفه بالأدب العذب الجني، الرحب الجناب، السامي الربى، الهامي الرباب، والكلمات الآخذة بمجامع القلوب الوالجة في مسامع القبول، وأثبت من عقوده ما يثبت شهادة العقول، بشهدها المعسول. فمن ذلك من أبيات كتبها إلى القادر ابن ذي النون:
خطبت بسيفي في الزمان يراعة ... سبقت إلى كفي وصلى المنصل
أو لست من وطيء السماء تأوّدا ... وسما فقد سفل السماك الاعزل
أغْشَى العوالي والمعالي باسما ... وأقوم في الخطب البهيم فأفضل
ومتى أعُدْ ليلا نهار صحيفة ... وضحت كواكبه عليه تهلل
وإذا أجلت جياد فكري في مدى ... سبقت فكبر حاسدون وعللوا
رمدت عيون الحاسدين أما ترى ... قمر العلى والمجد ليلة يكمل
ما الذنب عندهم ودونك فاختبر ... إلا هوى بالمكرمات موكل
همم إلى صرف العلى مصروفة ... وحجى أقام وقد تزحزح يذبل
وبلاغة بلغت بآفاق الدنا ... وغدت تحية من يقيم ويرحل
ولئن يضع فضلي ويذهب نقصهم ... صعدا فأرجح كفّة من يسفل
فلأغشينّ الحادثات بصارم ... خَذِمٍ غِرَارَاهُ حريق مشعل
وبصيرة تذر الخطوب لوائحا ... فكأنَّها في كفّهن سجنجل