وليس ذلك بغريبٍ من مثله، ولا بعجيبٍ مع فضله، مع ما عم من إحسانه، واشتهر من محاسن أمانه، وظهر من سيرته العادلة، وسياسته المتكاملة، وما حسنه الله من أخلاقه، وشرف أعراقه، أوزعه الله من النعم التي خوله إياها، واختصه بعقائلها وصفاياها، شكراً يحرسها من الزوال، ويؤنسها بالدوام والاتصال.
فصلٌ وصل كتابه، فأنار من مواضع السرور ما كان أظلم، وجلا من معاهد الأنس ما كان استبهم، وسرحت طرفي في رياض سطوره، وأمتعت سمعي بمحاسن منظومه ومنثوره، وتهت عجباً بقراءة عقوده وشذوره، ووجدته قد أدالني من وحشةً القطيعة، وأعراني عن نكايتها الفظيعة، فكم منةٍ تقلدتها، وعارفةٍ تحملتها، ومحمدةٍ أبدأتها وأعدتها، وحقوقٍ لوروده قضيتها، ونذورٍ لوصوله وفيتها، ومجاراةٍ توخيتها، وخدمةٍ في ذلك التزمتها وأقمتها.
فصلٌ: قلدناه تقليداً أطعنا به الواجب ودعاويه، وأقمنا دعائم الحق وسواريه.
فصل من منشور القضاء: الشهود قواعد الأحكام، وبهم تدرأ الحدود وتقام، وبشهادتهم تثبت الحقوق وتنتزع، وعلى أقوالهم يعتمد الحاكم فيما يفصل ويقطع، وكاتبه لسانه، وحاجبه وجهه وعيانه، ويحتاج كلاهما أن يكون للصواب معتمداً، وفيما جملة وزين مكانه مجتهداً:(وما كنت متخذ المضلين عضداً) .
فصلٌ من منشور بالوزارة: لما كان محله عندنا خطيراً، ومكانه لدينا مسكيناً أثيراً، لا قرين يجاريه، ولا نظير يماثله ويباريه، ولا متطاول يطمع في إدارك معاليه، شددنا بركنه أركانها، وسددنا به مكانها، وعولنا عليه فيها، واستنهضناه لتوليها، ورأيناه كفأها وكافيها، وإن كان له فيها سلفٌ قد مضى، فإنه لا يعول إلا على ما شيد وبنى، وقدم من المساعي التي نال بها ما تمنى:(ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً) .
تم الجزء السادس من خريدة القصر وجريدة أهل العصر بتاريخ السادس والعشرين من رمضان من سنة اثنتين وأربعين وستمئةٍ.
والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
[قسم شعراء مصر]
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الرابع
في ذكر محاسن فضلاء مصر وأعمالها
وبلاد المغرب وإيراد ما لهم من النظم المطرب والنثر المعجب
وهو منقسم:
[الأول مصر]
وأنا مبتدىء بالديار المصرية لامتزاجي بأهلها، وابتهاجي بفضلها، وحصول مداري في فلكها، ووصول مرادي إلى ملكها، وإطلاعي على فضائلها، واضطلاعي بفواضلها، ودخولي إليها في خدمة سلطانها، وخروجي منها بشكر إحسانها، ومقامي فيها أترفرف على محاسنها، وأترشف من عذبها وآسنها، وأتحلى بعقود جواهرها، وأتملى من سعود زواهرها، نازلاً من المولى الأجل الفاضل في ظل إفضاله الوافر الوارف، واصلاً من ذرى المحل الكامل في ذيل إقباله الكافي إلى أبهج الرفارف، حاصلاً من الملك الناصر في المنى بالملك والنصر، حاملاً في سلطانه الباهر على العدا بالهلك والقهر.