لا أُهَنِّي بالصيامِ لأَنِّي ... واثقٌ بالهناءِ يَوْمَ العيدِ
بل أُهَنِّي بالأَكْلِ والشرب والزَّفْنِ ... وصوتِ الغِنا وَجَسِّ العود
لا بصومٍ يُجَفَفُ الكِبْدَ حتى ... يَجْعَلَ العُودَ وهْو مثلُ العودِ
وله، أنشدني نصر الله بن الخازن:
أَرَانِيَ والمولى الذي أَنَا عَمْدُهُ ... طَرِيفَين في أَمْرٍ له طَرَفَانِ
قريبٌ تراني منه أَبْعَدَ ما ترى ... كأَنِّيَ يومُ العيدِ مِنْ رَمَضَانِ
وله
فغدوتَ كالبطيخ لا حُلْواً بل ال ... تشبيهُ يحكي قائماً أو قاعدا
لا يَحْمَدُ الوصَّافُ من أَوْصَافِهِ ... ما لم يكن خَشِنَاً ثقيلاً باردا
وأنشدني له أيضاً:
أَنَا مِمَّن إِذا أَتَى ... صاحبُ الدار للْكِرَا
تتجافَى جُنُبُهُمْ ... كلَّ وَقْتٍ عن الكَرَى
وأنشدني له أيضاً:
لا يظنَّ العدوُّ أنَّ انحنائي ... كِبَرٌ عندما عَدِمْتُ شبابي
ضاع مني أعزَّ ما كان مني ... فأنا ناظرٌ له في التراب
وذكر أنه سمع منه جميع هذه الأبيات. وسألته عن موته فقال كان يعيش في أيام البرسقي وهي سنة ثماني عشرة وخمسمائة، وعاش بعد ذلك سنين كثيرة.
[حسناء المصرية]
من الطبقة الأولى، مغنية عن الملاهي مغنية، وغانية بالحسن غنية، ولدت باليمن وتربت بالحجاز، وتعلمت ببغداد الغناء، وانخرطت في سلك قيان الملوك، ولها شعر به للشعراء تعارض، ولأهل القريض تقارض، ومن قيلها:
سلامٌ على من ليس يَدْرِي بأَنَّهُ ... هواي من الدنيا وقاصيةُ المُنَى
كتبتُ إليكم خاطباً لرضاكُمُ ... فردُّوا جواباً بالنجاح مُعَنْوَنَا
ومن النساء أيضاً ابنتها بدمشق.
[تقية الصورية]
من أهل الإسكندرية هي الأديبة أم علي تقية ابنة غيث بن علي بن عبد السلام الأرمنازي الصوري، مولدها صور، وهي من أهل الإسكندرية.
أتحفني القاضي أبو القاسم حمزة بن القاضي علي بن عثمان المخزومي المغربي المصري، وقد وفد إلى دمشق في شعبان سنة إحدى وسبعين بكراسة فيها شعر تقية بنت غيث، قد سمعه منها، وخطها عليه بسماعه منها، بتاريخ محرم سنة تسع وستين وخمسمائة بالإسكندرية، وأنشدني ذلك رواية عنها، فمن قولها:
أعوامُنَا قد أَشْرَقَتْ أَيَّامُهَا ... وعلاَ على ظَهْرِ السِّماكِ خيامُهَا
والروضُ مُبْتَسِمٌ بِنَوْرِ أَقاحِهِ ... لما بكى فَرَحاً عليه غَمَامُهَا
والنَّرْجِسُ الغضُّ الذي أَحْدَاقُهُ ... تَرْنُو لِتَفْهَمَ ما يقولُ خُزَامها
والوردُ يحكي وجنةً محمَرَّةً ... انحلَّ من فَرْطِ الحياءِ لِثامها
وأهدت إلى بعض الأفاضل توتا، فكتب إليها.
وَتُوتٍ أَتَانا ماؤُهُ في احمرارِهِ ... كَدَمْعِي على الأَحباب حين تَرَحَّلُوا
هدية من فافَتْ جمالاً وفطنةً ... وأبهى من البَدْرِ المنيرِ وأَجْمَلُ
فلا عَدِمَتْ نفسي تَفَضُّلَها الذي ... يُقَصِّر وَصْفِي عن مَدَاه وَيَعْدِل
فكتبت إليه تقية:
أتاني مديحٌ يُخْجِلُ الطَرْفَ حُسْنُهُ ... كمثل بهيِّ الدرِّ في طيِّ قِرْطسِ
ولها وقد أعارت ابن حريز دفتراً، فحبسه عنده أشهراً:
قل لذوي العلم وأهلِ النهى ... وَيْحَكُمُ لا تَبْذُلُوا دفترا
فإن تُعيروهُ لذي فطنةٍ ... لا بدَّ أَنْ يَحْبِسَه أَشْهُرَا
وإِنْ تَعُودُوا بَعْدَ نُصْحِي لكمْ ... تخالفوني فالبراءَ البَرا
ولها من قصيدة:
خانَ أَخِلاَّئِي وما خُنْتُهُمْ ... وأَبْرَزُوا للشرِّ وجهاً صَفِيقْ
وكُدِّرَ الودُّ القديمُ الذي ... قد كان قِدْماً صافياً كالرحيق
وباعدوني بعد قُرْبي لَهُمْ ... وَحَمَّلُوا قلبيَ ما لا أُطِيقْ
ولها من قصيدة:
هاجَتْ وساوسُ شوقي نَحْوَ أَوْطَانِي ... وبان عَنِّي اصطِبَاري بعد سُلْواني