قَلبٌ وقُلْبٌ في يَدَ ... يْكَ مُعَذَّبٌ ومُنَعَّمُ
ظمآنُ يطلب قطرةً ... تَشْفِي صَداهُ ومُفْعَمُ
هذان البيتان كنت استلمحتهما من بعض الكتب فاستملحتهما، فإنهما جمعا التجنيس والتطبيق والموازنة ولزوم ما لا يلزم واللطافة والرقّة والمعنى واللفظ ولم أعرف قائلهما إلى أن طالعت المذيّل فشعرت بالشاعر، وعرفت عرف عُرفه العاطر، وسجّلت له بخطر الفكر والخاطر.
ونسب أيضاً إلى عبد الغالب هذين البيتين:
رأيتُ مِرْآتها تُقابلها ... فقلتُ والقلبُ في تلهُّبِهِ
كأنّما الشمسُ عند مَشْرِقها ... قابلها البدرُ عند مَغْرِبه
لقد أبدع في تشبيه المرأة والمرآة المتقابليْن بالقمرين إذا تقابلا في المَطلع والمغيب، محاكمييْن للمحب والحبيب.
وله:
جَسَّ الطبيبُ يدي وقال بنَبضِه ... معنىً يدلُّ على دَمٍ فَلْيُفْصَدِ
فأجبتُه يكفيك ما أبصرتَه ... متحدِّراً من دمعيَ المُتوَرِّدِ
فأشار بالعُنّابِ فاهتاجَ الهوى ... إذ كان مِن شكوايَ عُنّابُ اليدِ
وأتى بوَرْدٍ في الصفات فزادني ... قلقاً على قلقي وبان تجَلُّدي
وأَمَرُّ ما قاسيتُه ولَقيتُه ... حُجَجٌ أُلَفِّقُها، حَياءَ العُوَّدِ
وأنشدني أبو اليسر الكاتب له يرثي بعض بني سليمان:
لم يَكْفِ قلبي ما به من وَجْدِه ... وخروجه بعذابه عن حَدِّهِ
ومنها:
يا والد المدفون بين ضُلوعنا ... فَوِّضْ إلى مُعْطِيكه في فَقْدِهِ
أخوه القاضي أبو غانم
عبد الرزاق بن أبي حُصَيْن
أنشدني ابن أبي البيان ابنه، القاضي أبو غانم بالشام سنة سبعين وخمسمائة، قال أنشدني جدي أبو غانم بالشام لنفسه يصف الفُقّاع:
ومحبوسٍ بلا جُرْمٍ جَناهُ ... له حَبسٌ ببابٍ من رَصاصِ
يُضَيَّقُ بابه خوفاً عليه ... ويُوثَقُ بعد ذلك بالعِفاصِ
إذا أطلقته خرج ارتقاصاً ... وقبَّلَ فاكَ من فرح الخَلاصِ
هذه الأبيات الحسنة، صقلتها الألسنة، وهي عروس في كنّها، خَندريس في دنّها، مطبوعة في فنّها، يُعدّ هذا الأسلوب من النظم مُعمّى، ويدل على أن لقائله فضلاً جمّا.
وأنشدني القاضي أبو غانم قال أنشدني جدي أبو غانم لنفسه في حجر الرِّجْل مُعَمّى:
وعجيبةٍ أبصرتها فَخَبّأتُها ... لُغزاً لكلِّ مُساجلٍ ومُناضلِ
ما يستقرّ بكفّ ألكنَ ناقصٍ ... حتى يُجَرَّ برِجْل أَرْوَعَ فاضِلِ
وقد أوردهما السمعاني في تاريخه منسوبين إلى أبي حصين والد أبي غانم.
[أبو حصين عبد الله]
له شعر، ونسب إليه السمعاني البيتين في حجر الرجل. وأنشدني له القاضي أبو اليسر وذكر أنه يرثي والده وقد مات في الحج:
دمٌ فوق صدري وَكَفْ ... من الجفن لمّا ذَرَفْ
ومنها:
لفقدان من لا أرى ... يدَ الدهرِ منه خَلَفْ
ومنها:
لميتٍ غدا ثاوياً ... بطَيْبَةَ بين السلَفْ
[أبو القاسم المحسن والد أبي حصين]
ذكره السمعاني في تاريخه، المؤلف بين مُشتريه ومِرِّيخه؛ وكتابه، الدَّالّ على وفور آدابه، فذكر أنه أنشده أبو البيان محمد بن أبي غانم عبد الرزاق، قال أنشدني أبي لجدّه:
وكلٌّ أُداويه على حسْب دائه ... سِوى حاسدي فهي التي لا أنالُها
وكيف يداوي المرءُ حاسدَ نعمةٍ ... إذا كان لا يُرضيه إلاّ زوالُها
قال وأنشدّنا أبو البيان قال أنشدني أبي لجدّه وذكر أنه أنشده لنفسه:
إذا ما رأيت امرأً كاسباً ... يخاف العواقبَ في كسبه
يريد الغنى ويخاف الرَّدى ... فذرْهُ ولا تَكُ من حِزبِه
فما يدركُ المرءُ أُمنيَّةً ... وخوفُ المنيَّة في قلبه
[أبو البيان محمد بن أبي غانم بن أبي حصين]
كان قاضي حمص، وذكر لي القاضي أبو اليسر أن له ديواناً وشعراً حسناً، وقد ذكره السمعاني في تاريخه ولقيَه وروى عنه.
أبو الرِّضا عبد الواحد بن الفرج بن النوت
المعري