يا أَسَدَ الدين اغتنمْ أَجْرَنا ... وخَلِّصِ الرحبة من يوسُفِ
تَغْزُو إلى الكفر، وتغزو به ال ... إسلامَ ما ذاك بهذا يفي
وله من قصيدةٍ في جمال الدين الوزير بالمَوصل يُغنّى بها:
أما استحى الطائرُ في غصونِهِ ... أنِ ادَّعى شَجْوِيَ مِن شُجونِهِ
باب في ذكر محاسن جزيرة بني ربيعة
وديار بكر وما يجاورها من البلاد
الموصل
الفقيه أحمد بن علي المشكهري الموصلي
من أهل عصرنا ذكره لي القاضي أبو القاسم بحماة قال: كان غزير الفضل وهو مدرس الشافعية بحماة، ولجّ في العود إلى المَوصل فأدركته يوم وصوله إليها الوفاة، وما وَفَتْ له الحياة. ومن شعره السائر:
إذا العشرونَ من شعبانَ ولَّتْ ... فَواصِلْ شُرْبَ ليلك بالنهارِ
ولا تشرب بكاسات صِغارٍ ... فإن الوقت ضاق عن الصّغارِ
[النقيب ضياء الدين]
أبو طاهر زيد بن محمد بن محمد بن عبد الله الحسيني نقيب السادة العلويين بالمَوصل، وولده الآن نقيبها، هو من الأفاضل والأماثل، العديمي المماثل، والشِّراف الظِّراف، والعلماء الحكماء، والكرماء العظماء، والسادة القادة، والطاهرين الظاهرين، والمُصطفَيْن المُجتبين، المنتسب إلى السلف الكريم، والشرف الصميم، والمَحْتِد المجيد، والعنصر الحميد، والبيت الزاكي العلوي، والنبت الوصي، المنتمي من الدوحة النبوية الممتدة الأفياء المورقة الأفنان، النامية الفروع السامية الأغصان، المترويِّة من الكوثر الأعلى، المتضوِّعة من نسيم طوبى، المتوضحة بأضواء القرى، الضاحكة عن ثمرات المنى، الجامعة محاسن الدين والدنيا، المثمرة بكلمات الله العليا، إلى شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ونجاره من الأسرة العلوية الهاشمية الذين أوجب الله لهم المودّة على العباد، وجعلهم وسائل إلى رحمته يوم المعاد، وهم أطواد الوقار، وأعلام الفخار، وكواكب الظلماء، وموارد الظِّماء، وسفائن النجاة، ومعادن الكرامات، بمنزلة الحديقة الناضرة، والحدقة الناظرة، والعين الباقية الشعاع، واليد الطويلة الباع، قد بزغت من فجر ذكاء الذكاء، وبلغت أضواء مجده عنان السماء، ولم يزل المُصافح بيُمن نقيبته يمين النقابة، والمناصح بقرب ولائه أُولي القرابة، وله مع فضل الشرف شرفُ الفضل، شريف الهمة لنسبه، كبير القدر في حسبه، عديم النظر في أدبه، يقطر ماء الظرف من نظمه ونثره، ويبسِم ثغر اللطف في وجه شعره، ويتحلّى جيدُ الحسن بعقود سحره، نقيب لمعادن المعالي نَقّاب، وللآلئ الكلام ثَقّاب، مقيم ببلدٍ وفضلُه جَوّاب، وهو سيد متأيّد، شعره جيد، وكلامه متين أيّد، محكم الرصف، مُمدَّح الوصف. لقيته في حضرة الوزير الجواد جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور عند إلمامي بها في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وكان يُبجّلني جمال الدين مع صغر سني ويقدمني في موضعي على الأكابر، أتكلم في المسائل الشرعية، وأباحث العلماء بين يديه في الغوامض الفقهية، وكان لحقوق عمي العزيز عليه يكرّمني، ولما يتفرّس فيّ من النجابة يُقدّمني، وقد حملني قرب القرابة على نظم قصيدة فيه، وأنا حينئذٍ أقصد إليه القرب بما أُنشيه، وهممتُ بإنشاده، فمنعني من إيرادها، حتى دخل فاستدعاني، وأكرم مكاني، وقال أنا أُجلُّك عن قصدي بالقصائد، وأُكبِرك لحقوق العم والوالد، وكان النقيب ضياء الدين وحده، حاضراً عنده، فألحّ عليه في سماع شعري، ليعرف قيمتي في الأدب وسِعري، فلما سمعه عَجِبَ وطَرِبَ، وبالغ في الإطراء، وأكثر من الثناء، وما كان نظمي حينئذٍ يستحق ذلك، فملك رِقَّ حمدي هنالك، وحَبَّبَ إليّ النظم، وشجع مني الفهم، وقوّى لي المُنّة، وقلّدني بتحيته إيايّ المِنّة، وكنت سمعت بفضله وأدبه وظرفه، وشرفه ولطفه، ولم ألبث إلا قليلاً بالموصل حبّاً لسرعة عودي إلى بغداذ، وهجري في طلب العلم بها الملاذ، وما صادفت فرصة وقتٍ أظفر من شعره ولو ببيت، فلما عدتُ من الحج لقيت بهمذان ابن عمي ضياء الدين المُفضَّل ابن ضياء الدين محمود بن حامد وقد عاد من الموصل في سنة تسع وأربعين وهو ينشد للسيد النقيب أبياتاً نظمها في ذلك الصدر الكبير وهي: