وكيفَ بالصبرِ على أَسْهُمٍ ... نَصَّلَها بالجمْرِ راميها
القاضي الرشيد
أحمد بن علي بن الزبير
من أهل أسواق الساكن بمصر كان ذا علمٍ غزيرٍ، وفضلٍ كثيرٍ. أنشدني الأمير نجم الدين بن مصال بن سليم بن مصال له، ونحن في المخيم الملكي الناصري بظاهر بعلبك في ثاني رمضان سنة سبعين وخمسمائة، من قصيدة:
إِذا ما نَبَتْ بالحُرِّ دارٌ يَوَدُّها ... ولم يرتحلْ عنها فليس بذي حَزْمِ
وَهَبْهُ بها صَبّاً أَلم يَدْرِ أنها ... سيزعجه منها الحِمَامُ على رغْمِ
ولولا الأجلُّ الكاملُ المَلْكُ أَرْقَلَتْ ... بيَ العيسُ في البيداءِ والسفْنُ في اليَمِّ
ولم تكنِ الدنيا تضيقُ على فتىً ... يرى الموتَ خيراً من مقامٍ على هَضْم
لم يعمل بشعره، ولم يرحل من ضره، وهذا ممدوحه الكامل ولد شاور الذي لم ينج من شره، فغن شاور قتله صبراً في سنة اثنتين وستين ونسب إليه أنه شارك أسد الدين شيركوه في قصده، فكافأه مكافأة التمساح وجعل قتله له مقام رفده.
وله الرسالة التي أودعها من كل علم مشكلة، ومن كل فنٍ أفضله. ذكره لي محمد بن عيسى اليمني ببغداد سنة إحدى وخمسين وقال: وفد اليمن رسولاً وأقام بها سنتين قال: وهو أستاذي في علم الهندسة. وأنشدني لنفسه باليمن:
لئن خاب ظني في رجائك بعد ما ... ظننتُ بأني قد ظفرتُ بمنصفِ
فإنَّكَ قد قلَّدْتني كلَّ مِنَّةٍ ... ملكتَ بها شُكرِي لدى كلِّ موْقِفِ
لأنّكَ قد حَذَّرتني كلَّ صاحبٍ ... وأعلمتني أنْ ليْسَ في الأرض من يفي
وأنشدني الشريف إدريس الإدريسي الحسني بدمشق سنة إحدى وسبعين للقاضي الرشيد بن الزبير في مدح الصالح بن رزيك من قصيدة أولها:
ما للغصون تميدُ سكرا ... هل سُقِّيَتْ بالمُزْنِ خمرا
منها في المدح:
جاري الملوكَ إلى العلا ... لكنهمْ ناموا وأَسْرَى
سائلْ به عَصبَ النفا ... ق غداةَ كان الأَمرُ إمْرا
أيامَ أضحى النكرُ معروفاً ... وأمسى العُرْفُ نكرا
ومنها:
قسماً بمن طافَ الحجيج ... ببيته شُعْثاً وغُبرا
لولا طلائعُ لم نكنْ ... نرجو لمَيْتِ الدينِ نَشْرا
وأنشدني ابن أخته القاضي محمد بن القاضي محمد بن إبراهيم المعروف بابن الداعي من أسوان وقد وفدت إلى دمشق سنة إحدى وسبعين قال: أنشدني خالي الرشيد ابن الزبير لنفسه من قصيدة:
تواصَى على ظلمي الأنامُ بأَسْرِهِمْ ... وأَظْلَمُ من لاقيتُ أَهلي وجيراني
لكل امرىءٍ شيطانُ جِنٍ يَكيدُهُ ... بسوءٍ ولي دون الورى أَلْفُ شَيْطانِ
وقد صنف كتاب جنان الجنان ورياض الأذهان، وذيل به اليتيمة، وطالعت منه جزءاً، ذكر فيه شعراً.
[ولده علي بن أحمد بن الزبير]
رأيته في الحضرة السلطانية في القاهرة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وقد وقف ينشد الملك الناصر قصيدة قد اتخذها لقصده ذريعة وجر بها وفود النجح إلى آماله في تلك الشريعة شريعة، وكشفت بحواره حوار أدبه، وفصمت بسراره سوار أربه، فما أحاطت معرفتي له بمعرفة، ولا حصل لي من قدر قدره مرق رمقٍ في مغرفة. لكنني لكونه ولد ذاك الكبير، أوردت من القصيدة التي أحضرها أبياتاً تناسب عرف العبير.
مطلعها:
شيَّدْتَ بالبيضِ والعسَّالةِ الذُّبُلِ ... مجداً أنافَ على النَّسْرَيْن والحَمَلِ
ومنها:
تَخْضَرُّ أكناف أَرضٍ إن نَزَلْتَ وإن ... نازلْتَ تَحْمَرُّ أَرضُ السهل والجبَلِ
ما زلتُ أفرى دجى ليلِ التمام سُرىً ... ونورُ وجهك يَهْديني إلى السُّبُل
بكل مهمهةٍ يبكي الغمامُ بها ... خوفاً ويخفق قلبُ البرق من وَجَل
تخشى الرياحُ الذواري من مهالكها ... فما تهبُّ بها إلا على مهل
حتى أَنَخْتُ المطايا في ذُرَى مَلِكٍ ... يبشِّرُ النجح في تأميله أَمَلي
ومنها: