للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتبعته بعد توديعي له نظرا ... إنسانه غرق في بحر أدمعه

ما أوجع البين في قلب الكريم غدا ... يفارق المجد في ثوبي مودّعه

يذيقه البين تعذيبا ويمنعه ... من أن يطير شعاعا أسر أضلعه

يسطو به البين مغلوبا فليس سوى ... تململ في فراش من تفجعه

وله يصف الزمان وأهله:

داء الزمان وأهله ... داء يعزّ له العلاج

أطلعت في ظلماته ... ودّا كما سطع السراج

لصحابة أعيا ثقا ... في من قناتهم اعوجاج

كالدر ما لم تختبر ... فإذا اختبرت فهم زجاج

ومن مكاتبة له: لا زال منهلّ سحاب العدل، ممتدّ أطناب الظل، مخضر جوانب الفضل، لا يقرع باب أمل إلا ولجه، ولا يعن لما تكره النفوس من أمر إلا فرّجه. كتبته عن منبر ودك الذي لا تخبو ناره، ولا تأفل عندي شموسه وأقماره، ونظير عهدك الذي لا يخلع لبسة الكرم، ولا يزداد إلا طيبا على القدم، وعطر حمدك الذي بنوافجه أحاور وأحاضر، وبمحاسنه أباهي وأكاثر، والله تعالى يملأ بمحامدك أسماعا ويطلق ألسنا، ويبقيك للفضل عينا كريمة وأثرا حسنا، ويديم ما بيننا في ذاته زكي الفروع ثابت الأصول حصين الشّكّة مرهف النصول. ورد كتابك الكريم روضة الحزن، غب المزن، وحديقة الزهر، تبسمت لوفد المطر، تتجارى إلى محاسنه العين والنفس، ويترقرق من خلاله الأنس، فانتهيت منه إلى ما ما يقتضي رضى وتسليما، ويسر كما سمي اللديع سليما أطل عليهم إطلال الفجر على الظلام، وأخذ هنالك بضبع الإسلام، وأقام مرة كالحية النضناض، وطورا كالأسد القضقاض، يسرب إلى محلتهم من يضرم نار الحرب في أكنافها، ويأتي أرضهم ينقضها من أطرافها، ولولاه ما علا هنالك للإسلام اسم، ولا حيي للمدافعة رسم ولا لاح للمكافحة وسم، ولا عنّ لتلك العلل المجهولة على تلك الأقطار جسم، ولكنه ركب صعب الأهوال وصدق الصيال، وهي أقطار أن لم تقم القوة منها ميلا وجنفا، ويستعمل الجد لها نظرا أنفا، وإلا فعقدها بمدرج نثار، وهي في طريق انتكاث وعثار، والله يكفي المسلمين فيها، وينعم عليهم بتلافيها.

الوزير الفقيه الحسيب المشاور القاضي

أبو الحسن ابن أضحى

وصفه بالنسب المضي، والحسب الرضي، والشرف الباذخ، والعلم الراسخ، والحلم الراجح، والعلم الصالح، والمحتد القديم، والعنصر الكريم، والمعشر الأكابر، الموروث مجد أوائلهم للأواخر، إن سخا فالغيث، أو سطا فالليث، له الوقار والسكينة واللبث، وفي المعالي الإسراع وعن الدنايا الإبطاء والمكث، قال: وبما أحليه وعنه تقصر الحلي، وبه يتزين الدهر ويتحلى، ما عرفت له صبوة، ولا حلّت له في محظور حبوة، وقد تولى القضاء وحكم بالعدل، وأتى بالخطاب الفصل. ومن شعره المعتدل المزاج، المشتعل السراج، العذب المجاج، الرحب الفجاج، قوله في جواب شفيق رفيع:

ومستشفع عندي بخير الورى عندي ... وأولاهم بالشكر مني وبالحمد

وصلت فلما لم أقم بجزائه ... لففت له رأسي حياء من المجد

قال صاحب قلائد العقيان: كان لصاحب البلد الذي تولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة، وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة فكتبت إلى القاضي فيه مداعبا له فراجعني بهذه القطعة:

أتتني أبا نصر نتيجة خاطر ... سريع كرجع الطرف في الخطرات

فأعربت عن وجد كمين طويته ... بأهيف طاو فاتر اللحظات

غزال أحم المقلتين عرفته ... بخيف مني للحين أو عرفات

رماك فأصمى والقلوب رمية ... لكل كحيل الطرف ذي فتكات

فظن بأنّ القلب منك محصب ... فلباك من عينيه بالجمرات

تقرب بالنساك من كلّ منسك ... وضحى غداة النحر بالمهجات

وكانت له جيان مثوى فأصحبت ... ضلوعك مثواه بكلّ فلاة

يعز علينا أن تهيم فتنطوي ... كئيبا على الأشجان والزفرات

فلو قبلت للناس في الحب فدية ... فديناك بالأموال والبشرات

وله:

يا ساكن القلب رفقاكم تقطّعه ... الله في منزل قد ظلّ مثواكا

<<  <  ج: ص:  >  >>