للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا بما رقَدوا عمّا شَرُفْتُ به ... لمّا سَهِرْتُ لهم في سالِف الحِقَبِ

أبو العباس الخَضِر بن ثروان

بن أحمد بن عبد الله

الثعلبي التوماثي، ويقال له الفارقي والجزري. توماثا قرية عند بَرْقَعيد. ولد بالجزيرة، ونشأ بميافارقين، ضرير، له قلب بصير، خَضَريّ الفِراسة، وضيء الفكر في العلم والدراسة، قرأ الأدب على ابن الجواليقي، والنحو على الشريف أبي السعادات ابن الشجري، والفقه على أبي الحسن بن الآبنوسي، هكذا ذكره السمعاني في التاريخ، لما كان ببغداد سكن المسجد المُعلّق، حذاء الباب المعروف بباب النوبي، وكان حافظاً لأصول اللغة عالماً بها، يحفظ شعر الهذليين والمُجمل وأخبار الأصمعي وشعر رؤبة وذي الرمة وغيرهما من المخضرمين من أهل الإسلام والجاهلية، قال السمعاني: صادفته بنيسابور سنة أربع وأربعين وخمسمائة وسألته عن مولده فقال: سنة خمس وخمسمائة بجزيرة ابن عمر وأنشدني لنفسه، إملاءً من حفظه:

أنتَ في غَمْرَةِ النعيمِ تعومُ ... لستَ تدري بأنَّ ذا لا يدومُ

كم رأينا من الملوك قديماً ... هَمَدوا فالعِظامُ منهم رَميمُ

ما رأينا الزمانَ أبقى على شَخصٍ شَقاءً فهل يدوم النعيمُ

والغِنى عند أهله مستعارٌ ... فحَميدٌ منهم وبه وذميمُ

قال: وأنشدني لنفسه:

كَتَبْتُ وقد أَوْدَى البُكاء بمُقلتي ... وقد ذابَ من شوقي إليكم سَوادُها

فما وَرَدَتْ لي نَحْوَكمْ من رسالةٍ ... وحقِّكُمُ إلاّ وذاك مِدادُها

قال: وأنشدني الخضر بن ثروان لنفسه:

لا تَعْجَبوا من نزول الشَّيْب في شَعَري ... فإنه لم يُنازِلني من الكِبَرِ

لكنْ رأى مُقلتي قد شابَ ناظِرُها ... فجاءَني ليُعَزّيني على النظرِ

قال: وأنشدني لنفسه:

ألا هل أتاكم بالعِراق رسائلي ... بأني كثيرُ الأصدقاء وحيدُ

ومالي سِوى تَذْكَارِكُم من مُؤانِسٍ ... وإن حال نأيٌ فالقلوب شُهودُ

وإنَّ بعاد الأصفياءِ تَواصُلٌ ... وإنَّ وِصالَ الخائنين صُدودُ

وكلُّ وِدادٍ لم يكن لخِيانةٍ ... فذاك وإن طال الزمان جَديدُ

[إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم]

الطنْزي

من أهل طنزة من ديار بكر، ذكر لي الفقيه أحمد بن طُغان البصروي أنه لقيه في شهر رمضان سنة ثمان وستين وخمسمائة بباعَيْناثا وكتب لي بخطه هذه الأبيات ونقلتها من خطه فمنها قوله:

وإنّي لمشتاق إلى أرض طَنْزَةٍ ... وإن خانني بعد التفرُّق إخواني

سقى الله أرضاً لو ظَفِرْتُ بتُربها ... كَحَلْتُ بها من شدة الشوق أجفاني

وقوله على وزن قصيدة القيسراني التي يقول فيها:

يا أهلَ بابِلَ أنتم أصلُ بَلْبَالي ... رُدّوا فؤادي على جُثْماني البالي

فقال إبراهيم الطنزي:

خاطِرْ بقلبك إمّا صَبْوَةُ الغالي ... فيما تُحِبّ وإمّا سَلْوَةُ القالي

هذا مَكَرُّ الهوى فاعطِف على نظرٍ ... في بابليَّته هِنْديّ بَلْبَالي

من كلِّ ذي هَيَفٍ ترنو لَواحِظُهُ ... إليك من لَهْذَمٍ في صدر عَسّال

وقال:

يا زاجِراً في حَدْوِه الأيانقا ... رِفْقاً بها تَفْدِيك رُوحي سائقا

فقد عَلاها من بُدورِ طَنْزَةٍ ... مَن ضَرَبَ الحُسْنُ له سُرادِقا

ومنها:

قد سَلَبَ القلوبَ في جَماله ... وشدَّها في خَصْرِه مَناطِقا

وحيَّر العقولَ في دَلالِه ... إذْ لَبِسَ التّيجانَ فالقَراطِقا

وا وَحْشَتي مِن بَعْدِه لبُعدِه ... ووا شقائي إذ ظلِلتُ عاشِقا

قال وذكر أنه كتب إلى سليمان المعرّي الزاهد:

أتاني كتابٌ جلا غُمّتي ... وأهدى إليّ جَزيلَ الفوائدْ

فَطَوْراً أُقَبِّلُ منه السُّطور ... وطوراً أُعفِّر للتُّرْب ساجدْ

لأنتَ سليمان في مُلْكه ... وإن كنتَ بالنُّسك والزُّهد عابدْ

الأديب أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين

<<  <  ج: ص:  >  >>