نَمْنَمَ الصُّدْغان فيها طُرَراً ... كُتِبَتْ من ذهبٍ في غاليَهْ
شَبِهَتْه العينُ لما أَنْ بدا ... روضةً ذاتَ قطوفٍ دانيه
أو قضيباً فوقه سَوْسَنَةٌ ... أو هلالاً في سماءٍ صاحيَه
وقوله:
آذَنَ قلبي بالهوى شادنٌ ... أَيْقَظَهُ من طرفِهِ الناعسِ
أَلْبَسْتُهُ الحُسْنَ رداءً له ... نفسي فداءُ القمَرِ اللابسِ
غَرَسْتُ في وجنتهِ وردةً ... من نظرة المسْتَرِقِ الخالسِ
فخافَ أن أقطفها خِفْيَةً ... بِقُبلةٍ والغرسُ للغارسِ
فمرَّ في ميدانهِ مسرعاً ... يا ليتني فارسُ ذا الفارسِ
الجزء الثاني
ظافر الحداد
من أهل الإسكندرية، أبو منصور ظافر بن القاسم الجروي الجذامي
كنت سمعت به قديماً، وأنشدني له الشريف أحمد ابن حيدرة الحسيني الزيدي سنة خمس وخمسين قال: أنشدني ظافرٌ الحداد لنفسه وهو قريب العصر غريب النظم والنثر:
لا فرقَ بينكمُ وبين فؤادي ... في حالِ قربي منكمُ وبِعادي
فلقد حَبَبْتُكمُ على عِلاَّتِكمْ ... كمحبَّةِ الآباءِ للأولادِ
ونزلتمُ مني وإن لم تُنْصفوا ... بمنازلِ الأرواحِ في الأجسادِ
ورجوتُ سُلواناً بسوءِ صنيعكم ... عندي فصارَ ذَرِيَعةً لودادي
قد كنتُ أطمعُ بالخيال لو انكمْ ... لم ترحلوا يوم النَّوَى برُقَادِي
قال: وأنشدني لنفسه:
بمنازِل الفُسْطاطِ حَلَّ فؤادي ... فارْبَعْ على عَرَصَاتهِنَّ ونَادِ
يا مصرُ هل عَرَضَتْ لغصنٍ فوقه ... قَمَرٌ برَبْعكِ إِرْبَةٌ لمَعَادي
تَرِفٌ يُمَيِّلُهُ الصِّبا مَيْلَ الصَّبَا ... بقوامِ خُوطِ البانةِ الميَّادِ
أَتُرَى أنالَ النيلَ بعضَ رُضَابهِ ... فعَذُبْنَ منه مياهُ ذاك الوادي
فأفادَ منه الطعمَ لكنْ شُرْبُ ذا ... يُرْوي وذاك يَزِيد كَرْبَ الصَّادي
واهاً على تلك الديار فإنها ... أوطانُ أحبَابي، وأَهل ودادي
ولقد أَحِنُّ لها ولَسْنَ منازلي ... وأَوَدُّهَا شَغَفاً، ولَسْنَ بِلادي
دِمَنٌ لبستُ بها الشبابَ ولِمَّتي ... سوداءُ ترفلُ في ثيابِ حِدَاد
والعيشُ أَخضرُ، والديارُ قريبةٌ ... وأَبيتُ من أملي على ميعاد
والقلبُ حيث القلبُ رَهْنٌ والظُّبضا ... حَدَقُ الظِّبَاءِ الغِيدِ قَيْدُ الغادي
شَتَّتُّ شَمْلَ الدَّمْعِ لما شَتَّتُوا ... شملي، وصحتُ به بَدادِ بَدادِ
فالآن تخترقُ الجفونُ عُبَابَه ... ما بين مَثْنَى تَوْأَمٍ وأُحَاد
قَاني المَسِيلِ كأنَّ فَيْضَ غُرُوبهِ ... فوقَ الخدود عُصارةُ الفِرْصَادِ
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
هذا الفراقُ وهذه الأظعانُ ... هل غيرُ وقتك للدموع أوانُ
إن لم تُفْضْها كالعَقيقِ فكلُّ ما ... تدعوه من سُنَنِ الهوَى بهتانُ
هذا الغرامُ على ضميركَ شاهدٌ ... عَدْلٌ فماذا ينفع الكتمانُ
إن كنت تدَّخِرُ الدموعَ لبَيْنِهِمْ ... فالآنَ قد وقَع الفراقُ وبانوا
عُذْرُ المتيَّمِ أن يكون بقلبهِ ... سَقَرٌ وبين جفونه طُوفانُ
ولقيت ببغداد الفقيه نصر بن عبد الرحمن الفزاري الإسكندري في سنة ستين، وذكر لي أنه كان من ظرفاء الشعر وفصحاء الأدباء، انتهت به الحال إلى أن صار من شعراء مصر، وله ديوان مشهور، وبالجودة له مشهود. قال: أنشدنا بعض أصحابنا بالإسكندرية لظافر:
ولي همَّةٌ تَبْغِي النجومَ وحالةٌ ... تُصَحِّفُ ما تَبْغيه فَهْوَ لنا ضِدُّ
إِذا رَفَعَتْنِي تلك، تخفضُ هذه ... فكلُّ تناهٍ في إرادته الحدُّ
فما حالُ شخصٍ بين هاوٍ وصاعدٍ ... وليس له عن واحدٍ منهما بُدُّ