فأجابه والده ابن الخازن:
أيا ناظرَ المُلْكِ الفضائِلُ كلُّها ... إلى بحرك الطامي العُبابِ انْسِيابُها
جَلَوْتَ كؤوساً لَفْظُكَ الجَزْلُ خَمْرُها ... وغُرُّ معانيكَ الحِسانِ حَبابُها
وَصَفْتَ جَحيماً فيه للنفسِ راحةٌ ... وحَجْناءَ مردوداً عليها نِصابُها
بديهة حِبْرٍ لم يَشِمْ نَوْءَ غُمّةٍ ... بفطنته إلاّ استهلَّ سحابُها
ونقلت من خط أبي المعالي الكتبي لأبي طالب بن يَعْمُر:
نُجومُ شيبيَ في ليلِ الشباب بَدَتْ ... فبَصَّرَتْ عَيْنَ قلبي مَنْهَج الدّينِ
فصِرْنَ راجمةً شَيْطَانَ مَعْصِيتي ... إن النجومَ رُجومٌ للشياطينِ
[ابن نقيش]
ذكر لي أبو المعالي بن سلمان الذهبي ببغداد أنه كان معلِّماً من المَوصل ببغداد في زمان الوزير جلال الدين أبي علي بن صدقة وزير الإمام المسترشد بالله رضي الله عنه. وأنشدني له من قصيدة سمعها منه في الوزير:
مَهاً أُسُودُ الفَلا تحاذِرُ مِنْ ... لِحاظِها مِثلَ ما نُحاذِرُها
مِنْ كلِّ خَوْدٍ خُدورُها أبداً ... بيضُ الظُّبا، والقَنا ستائرها
تَبَرْقَعَتْ بالصَّباحِ غُرَّتُها ... واعْتَجرَتْ بالدُّجى غدائرها
هاجرةٌ لا تزالُ واصلةً ... هِجْرانَها، والوَصالُ هاجرُها
تستنجدُ الوَجْدَ والغرامَ على ... قلبي إذا ما غدا يُظافِرُها
لوَصْلِها في الضُّلوعِ نارُ أسىً ... قد مازَجَتْ أدمعي شرائرُها
تُردي وتُحيي بلَحْظِ مُقْلَتِها ... مُميتُ أرواحِنا وناشِرُها
كأنّما تستعير عزمَ جَلا ... لِ الدين يومَ الوغى مَحاجِرُها
مَلْكٌ، بِحارُ النَّدى أناملُه ... وغُرُّ آلائِه جواهِرُها
يُعطي العطايا العُفاةَ مُبتسماً ... كأنّما عنده ذخائِرُها
ما بين أموالِهِ وراحتِه ... حِقْدٌ طَوَتْهُ له ضمائِرُها
جواحة العين
نصر بن جامع
من أهل المَوصل مولده بمَشهد الكُحيْل، وهو في التصرّف طويل الذيل. خدم مدة بالبوازيج وحظي من سوء حظه بالترويج، ثم عاد إلى الموصل وخدم وتقدّم، وافترّ ثغر إقباله وتبسّم، واتّسم بالكفاية وارتسم، وله الخط المليح، والشعر الفصيح، والكلام المليح، ذكره لي المرتضى بدمشق في جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وقال: هو الآن حيّ يتصرف ويدأب، شيخ ولكنه يَخْضِب، وأنشدني من شعره القديم في نصير الدين والي الموصل من قصيدة:
قِفْ بمَغانٍ طُلولُها طُمْسُ ... لم يَطْوِها قبل إنسها إنْسُ
طال عليها هَطْلُ الغمائم أنواءً زَجَتْها العواصِفُ الرُّمْسُ
حتى غدا الغاربُ التليعُ بها ... وَهْدَاً وصار الذُّرى لها الأُسُّ
وِقْفَةَ مَن صارتِ الهُموم على ... فؤاده واستكانتِ النفسُ
نَبْكِ بها علّها تَرِق وَهَيْهات تَرِقّ الصفائح المُلْسُ
ومنها في المديح:
ولست أشكو سوى الزمانِ إلى ... قَيْلٍ أَشَمَّ به العلى ترسو
إلى نصير الدين الذي شَهِدَتْ ... بفضله والشجاعة الفُرْسُ
والرومُ والترك والأعاريب والْ ... إفرَنجُ وهي القبائلُ الخَمْسُ
كلٌّ لبرهانه أقَرَّ وقدْ ... زال صُراحاً عن عَيْنِه اللَّبْسُ
رَبُّ العطايا للمُعْتفين فما ... مِن دونها عائقٌ ولا حَبْسُ
رَبُّ الرزايا للمارقين فَمِنْ ... كلِّ مكانٍ يُحيطُهمْ نَحْسُ
يا أسدَ الدولة المُؤيَّدِ بالنصرِ، حسامَ الملوكِ، يا شَمْسُ
عَبْدُكَ عَبدٌ قِنٌّ أتاك على البُعدِ وقد مَسَّ حالَهُ المَسُّ
فاجْبُر قوىً هاضَها الزمان وأَوْ ... هاها، وعُضواً قد عَضّهُ ضَرْسُ
أَدْخِلْه في زُمرة العبيد ولا ... تَقْسُ فما يستحق أنْ تقسو