وذكر سيدنا صفوة الدين البالسي، وقد حكي لي أن الأمير أبا الحسن بن منقذ كان راكباً في جماعة، فنزلوا بروضةٍ فيها الشقائق والأقحوان فاستحسنوها، فقالوا: تعالوا ننظم فيه شعراً، وزعم أن منهم ابن حيوس، فقالوا: ابدأ أنت، فقال:
كأنَّ الشَّقائق والأُقْحُوان ... خدودٌ تُقَبِّلُهُنَّ الثُّغُورُ
فهاتيك يُخْجِلُهُنَّ الحَياء ... وهاتيك يُضْحِكُهُنّ السُّرورُ
الأمير مجد الدين أبو سلامة
مرشد بن علي والد أسامة:
لئِن نَسِيَ امرؤٌ عَهْداً فإِني ... لِعهدِ أَبي فِراسٍ غيرُ ناسِ
وما عاش الأَميرُ أَبو فِراسٍ ... فما مات الأميرُ أَبو فِراس
كان يقول العامري كنيتي أبو فراس، وأراد في البيت أن أبا فراس بن حمدان ما مات وهذا يعيش، فإن شعره كشعره، وكان العامري يتبجح بالبيتين.
وقال السمعاني في التاريخ: أنشدني ولده الأمير أبو عبد الله محمد بن مرشد بن علي بن مقلد بن منقذ من حفظه، عند القبة التي فيها قبر أيوب النبي عليه السلام عند عقبة أفيق بنواحي الأردن. قال: وأنا قائم أكتب وهو وغلمانه على الخيل. قال: أنشدني والد مرشد بن علي لنفسه بشيزر. وحضرت عند الأمير أسامة بدمشق في صفر سنة إحدى وسبعين واعترف بأن هذه القصيدة لأخيه:
ظَلومٌ أَبَتْ في الظُّلْمِ إِلاّ تَمادِيا ... وفي الصَّدِّ والهِجْران إِلاّ تَناهِيا
شَكَتْ هَجْرَنا والذَّنْبُ في ذاك ذَنْبُها ... فيا عَجَبا مِنْ ظالمٍ جاء شاكيا
وطاوَعَتِ الواشين فيَّ وطالما ... عَصَيْتُ عَذولاً في هواها وواشيا
ومال بها تِيُه الجمال إلى القِلا ... وهَيْهاتَ أَنْ أُمسي لها الدهرَ قاليا
ومنها في العتاب:
ولا ناسياً ما اسْتَوْدَعَتْ من عُهودها ... وإِن هي أَبْدَتْ جَفْوَةً وتناسِيا
وقلتُ أَخي يرعى بَنِيَّ وأُسرتي ... ويحفظ فيهم عُهْدتي وذِماميا
ويَجْزيهمُ ما لم أُكَلِّفْه فِعْلَه ... لنفسي فقد أَعْدَدْتُه مِنْ تُراثيا
فأَصبحتُ صفْرَ الكفّ ممّا رجَوْتُه ... أَرى اليأْس قد غَطَّى سبيل رجائيا
فما لَك لمّا أَنْ حَنى الدَّهْرُ صَعْدَتي ... وثَلَّمَ مني صارماً كان ماضِيا
تنكَّرْتَ حتى صار بِرُّك قَسْوَةً ... وقُرْبُك منهم جَفْوةً وتنائيا
على أَنني ما حُلتُ عمّا عَهِدْتَه ... ولا غَيَّرَت هذي الشُّؤونُ ودِادِيا
فلا زَعْزعَتْك الحادثاتُ فإنّني ... أَراك يَميني والأَنام شِماليا
وقرأت في بعض الكتب كلمةً نظمها الخطيب أبو الفضل يحيى بن سلامة الحصكفي في جواب رسالةٍ وصلت من الأمير علي بن مرشد من سيزر، وإنما أوردتها هاهنا لكونها في مدح بني منقذ، وقد ذكرت ما فيه كفاية من شعر الخطيب الحصفكي عند ذكره وهي:
حوى مُرْشِدٌ وابناه غُرَّ المَناقِبِ ... وحَلُّوا من العَلياء أَعلى المَراتِبِ
ذوائبُ مجدٍ ما علمتَ بأَنهم ... من العلم أَيضاً في الذُّرى والذوائبِ
أَتَتْ مِنْ علّي روضةٌ جاد رَوْضَها ... سحائبُ فضلٍ لا كَجَوْدِ السَّحائب
أَلم تر أَنّ المُزْن فاضت فَنُوِّلَتْ ... رَبابٌ وأَروى منه حَلْيَ الكواعب
بأَبياتِ نظمٍ أَفحمتْ كلَّ شاعرٍ ... وآياتِ نثَرٍ أَعجمتْ كُلَّ خاطِب
وغُرِّ مَعان أَعْجَزَتْ كلّ عالمٍ ... وأَسطرِ خَطٍّ أَرعشتْ كلَّ كاتب
ربيعٌ بِوَرْدٍ وافدٍ لمُطالعٍ ... ورَبْعٌ لوَفْدٍ وارد بمطالب
وخو درمت بالسحر عن قوس حاجب ... لها في العلى فخرٌ على قوسِ حاجِب
فلو قَطَبَتْ راحا لما قطَّبتْ لها ... وُجوهٌ ولا غطّت على حِلْم شارب
مناقبُ نَدْبٍ قال جدّي ابن مُنقذٍ ... عليٌ وعمي نجمه ذو المناقب