أو ريبَة علقَتْهُما فتطاولا ... يستَمحِيان ظُنونَ من يتوهّم
يا نخلتَيْ بحرَيْ بلِرْم سُقيتُما ... صوبَ الحيا بتواصلٍ لا يُصرَمُ
هُنّيتُما أمْن الزّمان ونِلتُما ... كلّ الأماني والحوادثُ نوّمُ
بالله رِقّا واستُرا أهلَ الهوى ... فبأمْنِ ظلكما الهوى يتحرّمُ
هذا العيان بلا امْتراءٍ إنّما ... سمْعُ الكيان زخارف تُتوهَّمُ
[الغاون الصقلي]
أبو علي حسن بن واد الملقب بالغاون وجدت في شعره لحناً كثيراً. له من قصيد:
وكم من رفيع حطّه الدهر للّتي ... تضعضع منه الحال بعد تسامِ
وكم خامل في الناس أمسى مُرَفّعا ... ترقّى الى العلياء كل سَنام
فتعساً لدهر حطّ عُلْوَ مراتبي ... وقلّل إخواني وأكثر ذامي
إذا اخضرّ يوماً منه للمرء جانب ... غدا فجلا للعين كيف بنام
وله:
ألا لا تكُن في الهوى ظالمي ... فما قطّ أفلحَ من يظلمُ
ومنها:
ألا في سبيل الهوى ميتتي ... ومثلُك في الحبّ لا يظلمُ
إليك استَنَمْتُ فما قد ترى ... أتُنْعمُ بالوصل أم تصرِمُ
ألا ارْحَمْ عُبَيدَك هذا الضعيف ... فكلّ رحيم له يرحَمُ
ولا تكُ بالجور بِئْسَ الولي ... فإنّي لك الدهرَ مُستَسْلمُ
الفقيه أبو موسى
عيسى بن عبد المنعم الصقلي
ذكر أنه كان كبير الشان، ذا الحجة والبرهان، فقيه الأمة وأمثل الأيمة له في المعاني الأبكار البعيدة مرامي مرامها، والألفاظ التي هي كالرياض جادها هامي رهامها. وقد أورد من كلامه ما يأسو سماعه الكلوم، ويجلو سنا إحسانه العلوم، ويحكي درر الأصداف ودراري النجوم، فمن بديع قوله في الغزل، وهو أحلى من نجح الأمل:
يا بني الأصفَرِ أنتم بدَمي ... منكمُ القاتلُ لي والمُستَبيح
أمليحٌ هجر من يهواكمُ ... وحلالٌ ذاك في دين المسيح
يا عليلَ الطّرْفِ من غير ضنى ... وإذا لاحظ قلباً فصحيح
كلّ شيء بعدما أبصرتكم ... من صنوف الحسن في عيني قبيح
وله:
سلب الفؤادَ من الجوانح غادةٌ ... أدلت إليه بدلِّها المستحكم
عذراءُ تُنسبُ درعها من خدها ... وخمارها من ذي ذوائب أسحَم
وعقودُها من نهدِها في شكلِها ... وحلاتها من لوني المُتسهِّم
فكأنّها ووشاحَها وخمارَها ... وحليَّها للناظر المتوسِّم
شمس توشحت السّنا وتتوجت ... جنحَ الدجى وتقلّدت بالأنجم
وقال:
يا أملحَ الناس وجهاً ... جاوزتَ في الحسن حدّكْ
للغصن منك انعطاف ... يكاد يُشبه قدّك
قد كان قلبيَ عندي ... والآن أصبح عندك
وكنتُ من قبلُ حراً ... فها أنا صرتُ عبدَك
وقال في جارية مصفرة اللون، بديعة الحسن:
فضح الهوى دمعي وعيل تصبّري ... بخريدة ترنو بعَينَي جُؤذَر
صفرا تولّعَ بالبياض لباسها ... وخمارها بمعصفرات الأخمُر
فكأنها في دِرعها وخمارها ال ... مُبيَضِّ والمحمرّ عند المنظر
ياقوتَة كسيَتْ صفيحةَ فضّةٍ ... وتتوجت صفْحَ العقيق الأحمر
وله من قصيدة طويلة في الرثاء أولها:
جَلّ المصابُ وجُلّ الخطب أوله ... فالحزن آخرُ ما آتى وأولُه
ومنها:
وكل وجدٍ وإن جلّت مواقعه ... فقدُ الأخلاءِ إن فكّرت أثكلُه
أبا عليّ ابْنِ عبدِ الله إنّ بنا ... عليك وجْداً غدا أدناه أقتَلُه
هل في السرور وقد أوديتَ من طمع ... لصاحب أو عديم كنتَ تكفُلُه
كم صاحب نال ما يبغي بجاهكمُ ... عفوا وكم من سرور كنتَ تشمَلُه
قد كان سعيُك في محياكَ أحمده ... وذكراك اليوم بعد الموت أجمَلُه
وله من قصيدة في المجون، يصف قول معشوقته، وقد أرسلت إليه: