ومحا رسمَ كل عادٍ مُعادٍ ... مُلحدٍ همّه الدّها والمِحالُ
سرّ أهلَ الصّلاحِ عصرُ إمامٍ ... ما عراه لردْع روْعٍ مَلالُ
عالمٌ عاملٌ معَمٌّ مُعِمٌّ ... عادلٌ عهدُ عدلِه هطّالُ
ملكٌ راحمٌ لداعٍ ومملو ... ل لداه ردا الولاءِ طُوالُ
حالُه حالكٌ وموردُه م ... رٌّ وأسما دُروعِه أسمالُ
عمّه طَولُه وأعدمه الإع ... دامُ عمداً وما عَرا إهمالُ
أسعدَ الله كلّ دهرٍ وعصرٍ ... سُدّة المُلكِ ما أهلّ هلالُ
حاطها الله ما لحى طالحاً لا ... حٍ وما لاح للحُداة الآلُ
وأنشدني له، وقد سامه بعد الصّدورِ أن يعمل شيئاً على نحو هذا البيت، وهو:
زار داوودَ دار أرْوى وأرْوى ... ذاتُ دلٍّ إذا رأت داوودا
وليس في هذا حرفان متّصلان.
فقال:
وادِدْ دُواداً وراعِ ذا ورَعٍ ... ودرِ دارا إن زاغَ أو زارا
وزُرْ وَدوداً وأدْنِ ذا أدبٍ ... وذَرْ ذَراه إن زارَ أو زارا
وأنشدني له، وقد ضمّنه رسالة:
من الغريبِ المُعنّى ... تبغي غريبَ المعْنى
هيهاتَ هيهاتَ ماذا ... حديثُ مَنْ هو مَعْنا
أبو البقاء بن لُوَيزة الخيّاط
من الحريم الطاهري.
كان أمّياً لا يُحسن الخطّ، ولا يعرف الضّبط.
وكانت أخته عوّادة، محسنة، أقامت عند أتابَك بن زنكي بالشام الى أن قُتل، ثم عادت الى بغداد، وصارت أستاذة بحكم صنعتها.
ومن شعر أبي البقاء:
تخرّصتِ الوُشةُ عليّ زوراً ... لقد كذَبوا وحقّك في المقالِ
وقالوا إنّه سالٍ هواهُ ... وما خطرَ السّلوّ له ببالِ
وله:
من ساعة ساروا وزمّوا عيسَهم ... وخلّفوني في الدّيار وحدي
أقبّلُ الأرض ودمعي ساجمٌ ... معفِّراً فوق التّرابِ خدّي
يا ليت أنّ الراقصاتِ نُحِرَتْ ... وعُطّلتْ عن سيرها والوَخْدِ
ولم تكن ترقِلُ والحِبُّ على ... أكوارِها قاصدةً لنجدِ
لا دَرّ درُّ البيْن ما أظلمَه ... في حكمه بالجورِ والتّعدّي
شتّت شملاً جامعاً مصطحباً ... وبدّلَ القُرْبَ بطول البعْدِ
إنْ عادتِ الأحبابُ من غيبتها ... وواصلوا بعْدَ الجفا بالصّدِّ
فمُهجتي نذْرٌ وما أملِكُه ... لمن أتى مبشّراً بالوفدِ
[أبو القاسم هبة الله بن الفضل الشاعر]
رأيته شيخاً مسناً، مطبوعاً، حاضرَ النّادرة.
توفي ببغداد في شهور ثمان وخمسين وخمس مئة.
وله شعر كثير، لم يدوّن، والغالب عليه الهجاء والمجون، وما خلا من ذلك لا يكون له طُلاوة. هجا الأكابر، ولم يغادر أحداً من أهل زمانه.
سمعته يُنشد بيتاً له في نفي الخَيال الكرى، وهو:
ما زارني طيفُها إلا مُوافقةً ... على الكرى ثم ينْفيه وينصرفُ
ورأيته كثيراً يُنشد الوزير ابن هبيرة، ويمدحه، ويجتديه. وقال يوماً: إرحَمْ يتيماً في سنّي. وكان يتبرّم به الوزير، حتى حدّثني صديقي مجد الدولة أبو غالب بن الحصين قال: أنشد الوزير:
شعريَ قد بطّ جُيوبَ الورى ... فلو أردتَ المنعَ لم تقدِرِ
وأزهرُ السّمانُ لا ينثني ... ما دام حياً عن أبي جعفر
وحكاية الأزهر السمّان مع المنصور، مشهورة، وهي: