وبيتي كبيتي في القريض مُؤَسَّس ... بغير دَخيلٍ فهو إِحدى العجائب
بنى منقذٌ مجداً تلاه مُقَلَّدٌ ... وقصّ عليٌّ نهجَه في المذاهب
ولم يأْلُ جهداً مُرْشِدٌ في اقتفائهم ... وأَبناءُ ذاك البدر زُهْرُ الكواكب
إِليهم نوى إِرْقالَه كلُّ خائفٍ ... ومنهم حوى آمالَه كلُّ راغب
وفيهم روى أوصافَه كلُّ مادحٍ ... وعنهم زوى أَوْهامَه كلُّ عائبِ
لهم نارُ حربٍ أَطفأَت حربَ وائلٍ ... ونارُ قرىً أَوْفَتْ على نار غالب
مغارِسُهم طابَتْ وطابَ حديثُهم ... وأطيبُ مَسْمُوع حديثُ الأَطايب
مناسِبُهم غُرٌّ وأَكثَرُ فخرهِم ... بما استأْثروه لا بِغُرِّ المَناسِب
مكاسِبُهم حُسْنُ الثَّناء فما ابَتَغْوا ... به كبني الرعي دَنيَّ المَكاسِب
متاعب دُنْيا أَوْ بقَتْ بمَتاعها ... وأَيُّ سُرورٍ في مَتاعِ مَتاعب
رآني عليٌّ لاعِباً بقرائنٍ ... فجاء بأُخرى مثلِها غيرَ لاعب
تحدّى كلامي فاعْترفتُ بفَضْلِه ... وأَين الحِقاق من مِصاع المَصاعِب
[الأمير شرف الدولة أبو الفضل]
إسماعيل بن أبي العساكر سلطان بن علي بن منقذ، كان أبوه ابن عم مؤيد الدولة أسامة أمير شيزر، وسمعت أنه كان شابّاً فاضلاً، وسكن بعد أخذ شيزر منهم بدمشق، وتوفي سنة إحدى وستين قبل وصولي إليها بسنة، سمعت من شعره قوله:
ومُهَفْهَفٍ كتب الجَمالُ بِخَدِّه ... سطراً يُحَيِّر ناظِر المُتَأَمِّلِ
بالغتُ في استخراجه فوجدتهُ ... لا رأيَ إِلاّ رأي أَهِل المَوْصِل
وأثني عليه الأمير مرهف بن أسامة بن منقذ، وأنشدني له أشعاراً مليحة، ومن جملتها بيتان في النحل والزنبور، وهما:
ومُغَرِّدَيْن ترنَّما في مجلسٍ ... فنفاهُما لِأذَاهما الأَقوامُ
هذا يجودُ بما يجودُ بعكسِه ... هذا فيُحْمَد ذا وذَاكَ يُلام
يعني العسل من النحل، وعكسه اللسع من الزنبور.
وأنشدني أيضاً لابن عمه شرف الدين من أول قصيدة:
سَقام جَفْنَيْك قد أَفضى إِلى بدني ... فَمَنْ لجفني بما فيه من الوَسَن
وأنشدني أيضاً لابن عمه المذكور شرف الدولة إسماعيل:
سُقيتُ كأْسَ الهوى عَلاًّ على نَهَلِ ... فلا تَزِدْنَي كأْسَ اللَّوْم والعَذَلِ
نأَى الحَبيبُ فبَي مِنْ نَأْيِه حُرَقٌ ... لو لابستْ جَبَلاً هدّت قوى الجبل
ولو تطلبَّتُ سُلواناً لزِدتُ هوىً ... وقد تزيد رُسوباً نهضُة الوَحِل
عَفَتْ رُسومي فعُجْ نحوي لتَنْدُبَني ... فالصَبُّ غِبَّ زِيال الحِبِّ كالطَّلَل
صحوتُ من قهوةٍ تُنْفى الهمومُ بها ... لكنّني ثَمِلٌ مِنْ طَرْفِه الثَّمِل
وما اعتبرتُ الذي استأْنفتُ من حَزَنٍ ... إِلاّ وطاح بما استسلفتُ من جَذَل
أُصَبِّرُ النَّفسَ عنه وهي قائلةٌ ... ما لي بعاديةِ الأَشواقِ من قِبَل
كم مِيتةٍ وحَياةٍ ذُقتُ طَعْمَهُما ... مُذْ ذُقتُ طعم النَّوى لليأْس والأَمل
وكم رَدَعْتُ فؤادي عن تَهافُتِه ... إِلى الصَّبابة رَدْعَ الحازِم البَطَل
حتى أَتاحتْ ليَ الأَقدارُ غُرَّتَهُ ... وكنتُ من أَجَلي منها على وَجَل
فطار لُبّي وطاحتْ شِرَّتي ووهى ... حَوْلي وعَزَّ عزائي وانقضتْ حِيَلي
والنفسُ إِن خاطَرتْ في غَمْرةٍ وَأَلَتْ ... منها وإِن خاطرت في الوَجْدِ لم تَئِل
لها دُروعٌ تَقيها من سهامِ يدٍ ... فهل دروعٌ تَقيها أَسْهُمَ المُقَلِ
وزاد وجديَ أَن زادت مَلاحَتُه ... كلٌّ بما هو فيه غايُة المَثَل