ويا من قدّهُ غُصن ... نماه الدلّ والزهْوُ
لقدأصبحتَ ذا جورٍ ... على من جسمُه نِضوُ
وقد طالتْ مواعيدي ... أهذا منكَ بي لهوو
فإنْ كنتُ أخا ذنب ... أما عندكَ لي عفوُ
وله قد غُنّيَ بين يديه بقول ابن أخي عتّاب الجوهري:
إذا لم أطِقْ صبراً رجعتُ الى الشكوى ... وناديتُ جنح الليل يا عالم النجوى
فعمل ارتجالاً:
أيا قلبُ كم حذّرْتُك البثّ والبلوى ... أليس قصارى العاشقين الى الشكوى
فإن قلتَ إن الطّرْف أصلُ بليّتي ... فأنت الذي تصبو وأنت الذي تهوى
لعَمري لقد بالغْتُما في نكايتي ... وحمّلتُماني في الهوى فوق ما أهوى
بُليتُ بقاسي القلب في غاية المُنى ... فصيّرني في الحبّ في الغاية القصوى
ولا يقبل الأيْمانَ إن جئتُ حالفاً ... ولا يرحمُ الشّكوى ولا يسمعُ النجوى
وله:
إن نظرتْ مُقلتي لمُقلتِها ... تعلمُ ممّا أريدُ فحْواه
كأنّها في الفؤاد ناظرة ... تكشِفُ أسرارهُ ونجواه
وله:
وكأسٍ مثل عينِ الدّيكِ صِرْف ... وماء المُزنِ بالشّهْدِ الجَنيّ
يطوف بها مليح ذو دلالٍ ... مريض الطرف ذو خُلُقٍ رضيّ
أقام عقاربَ الأصداغ تيهاً ... ليمنَع بهجةَ الوجه الوضيّ
شربت على لواحظِه مُداماً ... كماء المُزن والمِسك الذّكيّ
وله من أخرى:
وإذا حرّك المثاني عنيدٌ ... وسمعنا زَمراً ولحْنا شجيّا
وسعى بالكؤوس بدر منير ... وسقانا الرّحيقَ صرْفاً وحيّا
ما أبالي إذا شربتُ ثلاثاً ... أيّ قاضٍ بالجَورِ يقضي عليّا
[حميد بن سعيد بن يحيى الخزرجي]
من ندماء تميم بن المعز بن باديس بالمهدية، وشعرائه المجيدين في البديهة والروية، وهو الذي جمع شعر الملك تميم، ونظم في عقد سلكه كل در يتيم، ومما أورده لنفسه فيه أبيات عملها على وزن شعر لتميم قال: حضرنا ليلة بين يديه فأملى علي، يعني تميماً:
يا باعثَ السُكرِ من كأس ومن مُقلِ ... يسبي الحليمَ بتكسير وتخنيث
وحاملَ البدر فوق الغُصن منتصباً ... وخالِطَ الدرّ تذكيراً بتأنيث
عاهدْتني عهْد من للعهْد ينكثُه ... فصرتَ تأخذ في طرْق المناكيث
حدثتني بأحاديث منمّقةٍ ... فما حصلتُ على غير الأحاديث
فالوعد ينشُرُني والخلفُ يقتلني ... فصرتُ ما بين مقتول ومبعوث
قال حميد وسأل الحاضرين إجازته فأنشدته:
يا من حُرمتُ وِصالاً منه يُنعشُني ... وصرتُ أقنعُ منه بالأحاديث
تشبّث السُقْمُ بي لما هجرتُ فما ... بغير طولِ الأسى والهجرِ تشبيثي
اللهَ في هجرِ مقتولٍ أضرّ به ... وجْد عليكَ وميتٍ غيرِ مبعوث
قال ثم أنشده الحصيبي:
يا ساقيَ الكأس ليس الكأس تُسكرُني ... السُكرُ من مُقلةٍ أغرتْ بتخنيثي
وهذا الحصيبي من شعراء العصر ويستغنى بذكره هاهنا عن ذكره في موضع آخر.
ثم أنشده الكفيف:
بثثْتُ حبَّك إذ ضاقَ الفؤادُ به ... فمنْ يلوم لسرٍ فيكَ مبثوثِ
نفثْتَ في القلب سحراً لا طيبَ له ... فيا لسحرٍ من الألحاظ منفوثِ
وقد حلفتُ يميناً لا يُكلّمني ... والشوقُ يقضي على رَغْمي بتحنيث
فقال له تميم: أنا انتقدت على الحصيبي، فانتقد أنت على الكفيف، فقلت: كلامه كله مختل، لأنه ذكر ضيق صدره بمحبوبه، ومن كان صحيح المحبة فما يضيق فؤاده، ثم قال: فمن يلوم لسر فيك مبثوث، والبهائم لو نطقت، تلومه، وإنما الصواب: فلا تلمني لسر فيك منثوث، والمبثوث لا وجه له، فإن المبثوث بمعنى المفرّق وكيف يبث حبه بمعنى يفرقه، وإنما أراد أن يقول نثثت حبك بالنون أي ذكرته بعد ما كان مكتوماً.
قال حميد الخزرجي: وعملت بيتين ابتداء لأبيات وهما:
وغانيةٍ محيّاها ... به يُغْنى عن السُرْجِ