وَمُذَلِّلُ الدهر الأَبِيِّ فَقَدْ به ... صَحَّ الزمان بنا على عِلاَّتهِ
مُتَواضِعٌ والدهرُ يَعْلَمُ أنّهُ ... لا يرتقي أبداً إلى هِمَّاتِهِ
ما استَنَّ في مَيْدانِ فَضْلٍ مُنْتشاً ... إلا انتهى سَبْقاً إلى غاياته
ويميسُ في بُرْدِ الكمال مُؤَدِّياً ... شكراً ليُرْفَعَ فوقَ كلِّ لداته
ثِقةُ المليكِ ومَنْ رآه كُفَاتُهُ ... مِن دونِ هذا الخلق خيرَ كُفَاتهِ
كم عَزْمَةٍ لله أو في حَقِّهِ ... لكَ تَغْتَدِي سَبَباً إلى إثباتِه
ما أَعجزَ الفضلُ المُنيفُ مُباهراً ... إلاّ وأنْتَ هناك مِن آياتِهِ
تجلو بحُكْمِكَ وهْوَ حُكْمُ اللهِ عَنْ ... شَرْعِ الهُدَى ما عنَّ من شُبُهاته
والوقتُ عبدٌ ما تَشَرَّفَ قَدْرُه ... حتَّى غَدَوْتَ اليومَ مِن ساداته
كم قد زَرَعْتَ صنائعاً في ذا الورى ... وَحَميْتَ زَرْعَكَ في حَصَادِ نَبَاتِه
يَتْلُو مَحَاسِنَكَ الزَّمانُ لحسْنِ ما ... عَمَّرْتَ بالإحسانِ من أوقاتهِ
أنتَ الذي شَهِدَتْ فضيلتُهُ بما ... رَفَعَ الإلهُ لَدَيْهِ مِن دَرَجاتهِ
وَزَها الربيعُ فقيلَ مِن أخْلاقِهِ ... وَهَمَى الغمامُ فقيل بعضُ هِباته
وحياتهِ وَهْيَ اليمينُ لم أكُنْ ... أبداً لأحْلِفَ كاذباً بحياتهِ
لقد استعدَّ من الفضائلِ مَعْقِلاً ... لا يُمكِنُ الأيامَ قَرْعُ صفاتهِ
ولقد أُعِيرَ من الصُّدُودِ مَوَدّةً ... أَدْنى لقلبِ المرءِ من خَطَراته
وتناصَرَت فيه النجومُ فَسَعْدُها ... لِوَلِيِّهِ ونُحُوسُها لِعُدَاتِه
فإليكَ مِن مِدَحِ الخواطر شُعْلَةً ... أَوْرَى زنادُ رَوِيِّها لِرُوَاتِهِ
مِن مُخْلِصٍ لكَ في الوَلاءِ مُحَقِّقٍ ... بكَ أن يُبَلَّغَ مُنْتَهَى طَلَبَاتِهِ
[أبو الحزم مكي القوصي]
له في مروحة:
ما مُنْيَةُ النفسِ غيرُ مِرْوَحةٍ ... تُوصِلُ للقَلْبِ غايةَ الرّاحهْ
تجودُ لكن بمُسْعِدٍ ولقَدْ ... تَبْخَلُ إن لم تساعدِ الراحهْ
أَزِفَ الرحيلُ وليسَ لي من زادِ ... غيرُ الذنوبِ لِشِقْوَتِي ونَكادِي
يا غَفْلَتي عما جَنَيْتُ وَحَيْرَتي ... يوماً يُنَادى للحسابِ مُنَادِ
غَلَبَتْ عليَّ شَقَاوَتِي وَمَطَامِعي ... حتى فَنِيتُ وما بَلَغْتُ مُرَادي
يا غافلاً عمَّا يُرَادُ به غداً ... في مَوْقِفٍ صَعْبٍ على الوُرَّاد
اقرأْ كتابَكَ كلُّ ما قَدَّمْتَهُ ... يُحْصَى عليكَ بِصَيْحَةِ الميعاد
كيفَ النجاةُ لعبدِ سوءٍ عاجِزٍ ... وعلى الجرائم قادرٍ مُعْتادِ
يا غافلاً من قَبْلِ مَوْتِكَ فاتَّعِظْ ... والْبَسْ ليومِ الجمعِ ثوبَ حدادِ
[أبو الربيع سليمان بن فياض الإسكندراني]
من أهل الإسكندرية، ذو علمٍ فياض، وذيلٍ في العلوم فضفاض، وشعرٍ كزمان الربيع في الاعتدال، ونظمٍ أرق من الشمول والشمال؛ تاجر في العراق، وجاب الآفاق، وصحب التجر، وركب البحر، ودخل الهند وبلادها، وفوف بها من علومه أبرادها. قرأت في مجموع السيد الإمام فضل الله أبي الرضا الراوندي، أنشدني ابن طارق أبو علي الحسن الحلبي، أنشدني الفقيه سليمان بن الفياض لنفسه:
مُزَنَّرُ الخصرِ ثانِي العِطْف تياهُ ... المستعانُ على وَجْدِي به اللهُ
علامَ يُسْخِنُ عيني وَهْوَ قُرَّتُها ... ويُسْكنُ الحُزْنَ قلبي وهو مأْوَاهُ
حدث محمد بن عيسى اليمني