إذا لاح الصباحُ يطير طيراً ... وتُطوى دونه الأفلاكُ طَيّا
وأنشد له من غزَلِ قصيدةٍ عمِلها في مدائح الإمام المقتفي لأمر الله رضي الله عنه:
يا ساهراً عبراتُه ذُرُفٌ ... في الخَدِّ إلاّ أنَّها علَقُ
أتُقيمُ بعدَهُمُ وقد رحلوا ... ومطيّتاك الشوقُ والقلق
وقال بديهاً وقد سمعني انشد بعض الأصدقاء قطعة سمعتها في الجرب من جملتها: دب في الجسم والتهب، فقطع علينا الإنشاد وأنشأ يقول:
دبَّ في الجسم والتهبْ ... فهو كالنار في الحطبْ
صِحْتُ من حَرِّ نارهِ ... صيحةَ السُّخط والغضب
مُتعِبٌ قلبيَ الجَرَبْ ... ومُطيلٌ ليَ النَّصَبْ
فمتى يأمُلُ الخَلا ... صَ مُعنّىً به تعِب
مطَرَتْ قلبَهُ الهمو ... مُ فأودت به السُّحُب
فهو ما فوق جسمه ... طافياتٌ من الحَبَب
وأنشدني أيضاً لنفسه:
ولمّا أصبح الوصلُ ... صحيحاً ما به داءُ
أتى الهَجرُ فلا سِينٌ ... ولا هاءٌ ولا لاءُ
ولا ميمُ ولا راءُ ... ولا حاءُ ولا باءُ
يعني أتى الهجر فلا سهلاً ولا مرحبا.
واحسن ما أنشدنيه لنفسه في وصف الشارب والخال والوجنة:
وشاربٍ مثل نصفِ الصاد صادَ به ... قلبي رشاً ثغرُه أنقى من البرَدِ
كأنَّما خالُه من فوق وجْنتِه ... سوادُ عينٍ بدا في حُمرَةِ الرَّمَدِ
وأنشدني لنفسه في تفاحةٍ ذات لونين حمرة وصفرة:
تفّاحةٌ ذكَّرني نصفُها ... خدَّ حبيبي حين قبَّلْتُهُ
ونصفُها الآخر شبَّهْتُه ... صفرةَ لوني حين ودَّعته
بنو المهنّا في المعرّة
قاضي معرة مصرين هو:
أبو محمد عبد القاهر بن علويّ بن المُهنّا
شابٌّ لقيتنه بحماة في شوال سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. وأنشدني لنفسه يخاطب قاضي حلب في نائبه وكاتبه:
لا عجَبٌ إن خرِبَ الشامُ أو ... أَقْوَتْ مَغانيه ولا غَرْو
قد أصبح المجدُ به حاكماً ... وأصبح المُنشي له ضَوْ
مولايَ مُحيي الدين، غيِّرهما ... عنّا فتَحْوى شُكرَنا أو
وأنشدني لنفسه، في المُعَمّى، في الدّواة:
وما أمٌّ يجامِعُها بنوها ... جِهاراً فهي حاملةٌ عقيمُ
ترى أولادَها فيها رُقوداً ... يُضَمُّ عليهم رحِمٌ رحيمُ
تُصانُ عن الغبيِّ الغمر ضَنّاً ... بها وينالُها النَّدبُ الكريمُ
ومما أنشدنيه أيضاً قوله:
وشادنٍ أهيَفَ عاتبتُه ... على تمادي الهَجر والصَّدِّ
فأرسل الدمع على خدِّهِ ... فكان كالطّلِّ على الورد
وقوله:
يلومني اللائم في الْ ... حُبِّ لعلّي أنتهي
وفي فؤادي حسرَةٌ ... لفَرطِ وجدي أنت هي
وقوله:
لا غروَ إن كنت ذا فقرٍ وآخرُ قد ... نالَ الأمانيَّ من مالٍ ومن ولدِ
فالجهلُ والمالُ ملزوزان في نمَطٍ ... والفضل والفقر مقرونان في صفدِ
وقوله:
لهَفي على مهفهفٍ ... يتيه دَلاًّ وصِبا
أصبحتُ بعدَ بينِه ... نِضواً كئيباً وصِبا
مال فؤادي في الهوى ... إليه عمداً وصَبا
يحنو عليه كلّما ... هبَّت جَنوب وصَبا
وقوله من أول قصيدة:
أَشاقَكَ رَبْعٌ بالعواصم ماحِلُ ... فدمعُكَ مسفوحٌ وجسمُكَ ناحِلُ
وجَفنُكَ مَقروحٌ وقلبك خافقٌ ... وصبرك مسلوبٌ وحالُكَ حائِلُ
وما ذاك إلاّ أنَّ سكان رامةٍ ... تولَّوا فأقوَتْ أَرْبُعٌ ومنازل
عمُّ أبيه:
أبو سلامة محمود بن علوي
ابن المهنا بن الفضل بن عبد القاهر بن الرشيد بن المهنا ذكره ابن ابن أخيه قاضي معرة مصرين، وذكر أنه كان تاجراً بحلب وتوفي سنة خمس وخمسمائة عن سبعين سنة ومن شعره في المعرة:
أنا من بلدةٍ قضى اللهُ يا صا ... ح عليها كما ترى بالخرابِ