للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفه بتدرع التورع عبادة، متنسكا زهادة، واعتقال العقل واعتلاقه، والاعتناء بالنبل واعتناقه، إلا صبوة أخذت بالعافية صبوة، ونوبة لم يجد في الاقلاع منها نبوة، وجده أبو الحجاج الأعلم، وهو في عصره العلامة والعلم، وأورد لأبي الفضل ما أبى الفضل به أن يصادف نظير، وعرف أن روض معرفته بالأدب مؤنق نضير، وذكر أنه لقيه بشنتمرية داره، ومطلع اهلاله وابداره، ومن جملة ما أشعرنا به من شعره وأدرأنا به من دره، في وصف قلم:

متألّق تنبيك صفرة لونه ... بقديم صحبته لآل الأصفر

ومهفهف ذلق صليب المكسر ... سبب لنيل المطلب المتعذر

ما ضرّه أن كان كعب يراعة ... وبحكمه اطَّرَدَتْ كعوب السمهري

وله عند فراق الصبا والصبوة، واكتهال نبت الكهولة وشد عقد التوبة، بانحلال ما كان للحوبة من الحبوة:

أما أنا فقد ارعويت عن الصبا ... وعضضت من ندم عليه بناني

وأطعت نصّاحي وربّ نصيحة ... جاءوا بها فلججت في العصيان

أيام أحْيَا بالغواني والغنا ... وأموت بين الرّاح والريحان

أيام أسحب من ذيول شبيبتي ... مرحا وأعثر في فضول عناني

وأجل كأسي أن ترى موضوعة ... فعلى يدي أو في يدي ندماني

في فتية فرضوا اتصال هواهم ... بمناهم دينا من الأديان

هزت عُلاهم اريحيات الصبا ... فهي النسيم وهم غصون البان

من كل مخلوع الأعنة لم يبل ... في غَيِّهِ بتصارف الأزمان

أنحى على الجريال حتّى نوّرت ... في وجنتيه شقائق النعمان

أقول: قد هز عطف طربي هذا المعنى، وانتشيت لما انتشقت هذا النسيم الذي يبل به المعنى. وله في الزهد والعظة، وذكر الموت لاستقامة اليقظة:

الموت سغْلٌ ذكره ... عن كلّ معلوم سواه

فاعمر به ربع إدّكا ... رك بالعَشِيّ وبالغداه

واكحل به طرف اعتبا ... رك طول أيام الحياه

قبل ارتكاض النفس ما ... بين الترائب واللهاه

فيقال هذا جعفر ... رهن بما كسبت يداه

عصفت به ريح المنو ... ن فصيرته كما تراه

فضعوه في أكفانه ... ودعوه يجني ما جناه

وتمتّعوا بمتاعهال ... مخزون واحووا ما حواه

يا مصرعا مستبشعا ... بلغ الكتاب به مداه

لقيِّتُ فيك بشارة ... تشفي فؤادي من جواه

ولقيت بعدك أحمدا ... عبد الإلاه ومجتباه

في دار خفض ما اشتهت ... نفس المقيم به أتاه

وأورد من نثره في الأوصاف، ما هو أروق وأرق من السوالف والسلالف. فمن ذلك في وصف فرس: أنظر إليه سليم الأديم، كريم القديم، كأنما نشأ بين غبراء واليحموم، نجم إذا بدا، ووهم إذا عدا، يستقبل بغزال، ويستدبر برال، ويتحلى بشيات تقسمت الجمال.

وفي وصف سرج: بزة جياد، ومركب أجواد، جميل الظاهر، رحيب ما بين القام والآخر، كأنما قد من الخدود أديمه، واختص بإتقان المجيد تحكيمه.

وفي وصف لجام: متناسب الأشلاء، صحيح الانتماء، إلى ثريا السماء، نكله نكال، وسائره جمال.

وفي وصف رمح: مطرد الكعوب، صحيح اتصال العالية بالأنبوب، أخ كلما استنبته ينوب، ويصدق كل أمل مكذوب، خطي الأرومة، سهمي العزيمة، يستد برديني، ويرد بقعضيني، ظمآن على كثرة وروده، عريان تنسب صنعاء إلى وشي بروده.

في وصف قميص: كافوري الأديم، بابلي الرسوم، تباشر منه الجسوم، ما يباشر الروض من النسيم.

وفي وصف بغل: مقرف النسب، مستخبر للشرف من كثب إن ركب أقنع اعتماله، وإن نسب استقل به أخواله.

في وصف حمار: وثيق المفاصل، عتيق النهضة إذا ونت المراسل، يشفي امتهانه ويدني من الأمل رديانه.

[الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي]

إمام في الأصول والفروع، ومن مصنفاته: الوصول إلى معرفة الأصول، كتاب التسديد في أصول الدين، الإشارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>