للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتحرقين فؤاداً قد حللتِ به ... بنار حبّكِ عمداً وهو مأواكِ

ما نفحة الريح من أرض بها شجني ... هل للمُحبّ حياة غير ذكراك

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن زكرياء

القلعي الأصم

من قلعة بني حماد بالمغرب ذكره ابن الزبير في مجموعه وقال: كان جيّد الشعر، وارى زناد الفكر، لكنه مبخوس الجدّ، ورد الى الإسكندرية ومصر، وأقام بها زماناً، لا يجد من يروي ظمأته، ولا يسدّ خلّته، وعاد الى المغرب في غير أوان سفر المركب، فسار راجلاً، نعله مطيته، وزاده كُديَتُه، الى أن وصل الى قوم يعرفون ببني الأشقر من طرابلس الغرب، فامتدحهم بالقصيدة الميمية التي أولها:

تُرى فاض شؤبوب من الغيم ساجم ... ...

فأحسنوا صلته، وعظّموا جائزته، ولم أدر ما فُعل به بعد ذلك. فمن قصيدته الميمية في مدح بني الأشقر:

تُرى فاضَ شؤبوب من الوَدْقِ ساجمُ ... وأومضَ مشبوب من البرق جاحِمُ

وماذا النّدى والوقتُ بالصيف حائمُ ... وماذا السّنا والجوّ بالليل فاحمُ

وما هذه مُزْن وما ذي بوارِق ... ولكنها أيمانُكم والصّوارم

بني الأشقر استعْلوا بحقّ على الورى ... كما لم يزل فوق الكُعوب اللهاذِمُ

مشيْتُمْ الى العليا وطار سواكُمُ ... فلم تبلغِ الأقدامَ فيها القوادمُ

وأوقعُ من تلقاهُ من طار للعُلا ... إذا لم يكن ريش الجناح المكارمُ

وفي ذا الحمى المأمولِ يأمنُ خائفٌ ... وفي ذا النّدى المعسولِ ينقعُ حائمُ

عضَدْتُمْ على أحسابكم بفِعالكم ... كما عضدَتْ أسّ البِناء الدعائمُ

تغار على مسّ الدّروع جُسومكم ... غلائلُ فيها للنُضار مراقِمُ

تتوجتمُ بالبيض حتى تخيّلتْ ... بأنّكم حرّمتموها العمائمُ

ولم يحْظَ منكم بالبَنان خواتم ... مذ اتّفقتْ أيديكمُ والقوائمُ

وما اختلفتْ أقوالكمْ وفِعالكم ... مذ اتفقت آراؤكُم والعزائمُ

على كل أرض من نداكم مياسم ... وفي كل نادٍ من ثناكم مواسمُ

وُليتم على طُلْمَيثَةٍ وهي مَعلَمٌ ... لكم بالنّدى والبأس فيها معالم

ومنها:

فإن لم أعدّدْ في قريضي كُناكُمُ ... وأسماءَكم فليفتقد ذاك لائمُ

ويغني اشتهارُ البيتِ عن ذِكر أهله ... ويُغني عن اسمِ المِسكِ بالشمّ ناسمُ

وله يمدح الأفضل:

ملِك أنتَ أم ملَكْ ... حارَ طرْف تأمَّلَكْ

أنت إن أُسعِد الورى ... فلك مُسعِد فلَك

وله:

بما استرقَتْهُ من جفونك بابلُ ... بما علمَتْ من مقلتيْكَ المناصلُ

بوجهكَ ماءُ الحسنِ في صفحاته ... كذكرك منّي في الضمائر جائل

خذوني على التّجريب عبداً فإن أكنْ ... أخالفُ أمراً فاطِّراح مُعاجل

فما طوِيَتْ إلا عليكم جوانِح ... ولا بُسِطتْ إلا عليكم أنامِل

وله يعظم حُرفَتَه:

مضى الناسُ يستَسقون من كل وجهةٍ ... الى كل مسموع الدّعاء مُجاب

فوافاهُمُ الغيثُ الذي سمحتْ به ... لهم بعد طول المنع كلّ سحاب

وفي ظنّهم أنْ قد أجيب دعاؤهُمْ ... وما علموا أنّي غسلتُ ثِيابي

وله في صفة فوّارة:

وحاكيةٍ بالماء لون اضطرابِه ... قواماً وحُسناً حين يبدو ويوبِصُ

قضيب لُجَينٍ ألمعَ الصّقْلُ متنَه ... وأخلصَهُ في السّبْكِ من قبلُ مُخلصُ

تسامى قليلاً ثمّ عاد كأنّه ... جُمان حواليها على الماء يرقُصُ

تُضايقُ أعنانَ السّماء كأنّها ... لها بين هاتيك النّجوم تلصّصُ

كأنّ نَوالاً من يمين كرامَةٍ ... يمدّ به إذ لا نرى الماءَ ينقُصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>