للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت بهم حياة معالم العلم الدرس، أوردهم الرشيد ابن الزبير في كتاب الجنان، ولهم في النظم والنثر سموط الجمان، وعقود اللؤلؤ والمرجان. فمنهم:

[أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد]

هذا من شعراء اليتيمة، وصفه برجاحة الفضل على كل مواز موازن، فإنه كان ذا فكر لأنوف أبيات المعاني خازم، ولشنوف أبيات المعالي خازن، وله تصانيف وتواليف أغرب فيها وأعرب، وأعجز وأعجب، ومن ذلك كتاب حانوت عطار، وهو يتمل على ملح من أبكار الأفكار، ومن جملة فقره قوله: من كتم الحق بعد ما ظهر، وستر البرهان بعد ما بهر، فإنما يجحد المسك طيبه بعد شمه، ويدعي ظلمة البدر ليلة تمه.

وقوله في وصف جبان: يزحف يوم الزحف إلى خلف، ويروعه الواحد وهو في ألف أزهد في الحرب من بني العنبر، وأدهش من مستطعم الماء على المنبر، بنو العنبر أشار إلى قول بعضهم:

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا

ومستطعم الماء على المنبر خالد بن عبد الله القسري وخبره مشهور.

وقوله في سلطان مضيع: إن كان من يعجبه اللهو، ويغلبه السهو، فهو.

وقوله في أوصاف، أهل إنصاف: إخوان استوت بواطنهم وظواهرهم، وصفت علانيتهم وسرائرهم، كلهم السموءل إلا دينه وفاء، وحاتم إلا جاهليته سخاء، وزياد إلا سميًّتهُ دهاء، وإيَّاس إلا عجبه ذكاء.

وقوله في ضد ذلك: إخوان أخون من السراب للعين، ومن أهل الكوفة للحسين، يادرون الهفوة بالإشاعة، ويسبقون الزّلَّة بالإذاعة.

وقوله في المؤاساة: المقل يرثي للمقل، لعلمه مرارة الفاقة، وضعف الطاقة، حتى أنه ليشد من أزره، بالنزر من بره، وللمساكين أيضا بالندى ولع.

وقوله في الشفاعة: جعلني سبيلا من جعلك مقصدا، ورآني زائدا من رآك موردا.

وقوله في المطل: المطل عدو النفس والإنجاز حبيبها، والتسويف مرضها والتعجيل طبيبها.

وقوله في ذم رجل: فيه عن الشكر سكر، وعن الحمد جمد، وعن الحسن وسن، وعن الإعطاء إبطاء، وأنا أرغب إلى الله في وجهين: أحدهما لقاؤك بلا وجهين، والآخر أن أرى علق النفاق، في سوقك قليل النفاق.

ومن قوله في صفة الشعراء: جرير كلب منابحة، وكبش مناطحة، جارى السوابق بمطية، وفاخر غالبا بعطية.

أبونواس، خرم القياس، وترك السيرة الأولى، ونكب عن الطريقة المثلى، وجعل الجد هزلا، والصعب سهلا وصادف الأفهام قد كلت ونكلت، وأسباب العربية قد انحلت ونحلت، والفصاحات الصحيحة قد سئمت وملت، فمال الناس إلى ما عرفوه، وعلقت نفوسهم بما ألفوه، فتهادوا شعره، وأغلوا سعره، وشغفوا بأسخفه، وفتنوا بأضعفه وقد فطن باستضافه، وخاف من استخفافه، فاستطرد بفصيح طرده.

ومن شعره ابن شهيد قوله من قصيدة أولها:

طرقتك بالدهنا وصحبك نوًّم ... والليل أدهم بالثريا ملجم

ومنها في مدح بني الشامي وتنزيه الممدوح عن النسبة إلى بلد، ولم يسبقه إليه أحد:

والشام خطتكم وليست نسبة ... إلا كما نسبت إليه الأنجم

وله:

ولما تَمَلَّأ من سكره ... ونام ونامت عيون العسس

دنوت إليه على بعده ... دنوًّ رفيق درى ما التمس

أدب إليه دبيب الكرى ... وأسمو إليه سموَّ النفس

فبت به ليلتي ناعما ... إلى أن تبسم ثغر الغلس

أقبل منه بياض الطلى ... وألثم منه سواد اللعس

قوله: أدب إليه دبيب الكرى، أحسن ما قيل في هذا المعنى، قول أمريء القيس:

سموت إليها بعد ما نام أهلها ... سموَّ حباب الماء حالا على حال

ونحوه قول ابن حجاج:

فديته من طارق في الكرى ... يسقط بالليل سقوط الندى

ولأبي عامر ابن شهيد في وصف السيف والرمح:

ومن تحت حضني أبيض ذو شقائق ... وفي الكف من عسَّالة الخط أسمر

هما صاحباي من لدن كنت يافعا ... مقيلان من جد الفتى حين يعثر

فذا جدول في الغمد يشفى به الصدا ... وذا غصن في الكف يجنى ويثمر

وله في وصف حمَّام:

أنعم أبا عامر بلذّته ... واعجب لأمرين فيه قد جمعا

نيرانه من زنادكم قدحت ... وماؤه من بنانكم نبعا

وله في وصف فرس:

<<  <  ج: ص:  >  >>