من أهل الراذان.
كان من رؤسائها. قعد به الزمان، وحاربه الحدثان، فقصد الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد، وكان لا يهب إلا وقت سكره، فأنشده قصيدةً.
منها:
فلم يبقَ، يا تاجَ الملوكِ، وسيلةٌ ... يَمُتُّ بها ذو حاجة وَهْوَ مُضْطَرُّ
سِوى الخمرِ أَنْ أضحى لَدَيْك منارُها ... فوا سَوْأتا إِن قيلَ: شافِعُه الخمرُ
وحاشا وكَلا أَنْ يقالَ: ابنُ مَزْيَدٍ ... كريمٌ إذا ما هَزَّ أعطافَهُ السُّكْرُ
[المهند أبو البركات بن بصيلة المزرفي]
من أهل عصري.
ذو خاطر كالمهند الطرير، وعبارةٍ ذكية كالعبير. من ضامه منظومه لن يجار، ومن ثار بمنثوره لا يجد القرار.
إذا شبب ونسب أطرب، وإذا عتب واستعطف استعتب، وإذا مدح وأطرى أعجز وأعجب، وإذا ذم وهجا ثلب وأغضب.
هو من كتاب الرؤساء، ورؤساء الشعر.
كيف يسمي أبوه بصيلة، وقد أجنى بولده عسيلة؟ سألت أبا المعالي الكتبي عنه، سنة سبع وخمسين وخمس مئة، فذكر: أنه حين عرفه ب العراق عارق العطلة ونكد العيشة، وشام ب الشام وديار بكر برق المعيشة. رحل مشيماً، وأبل بسفره مغيماً. وها هو الآن كاتب بلدة كذا مستقيم الجاه، في نعمة الله.
وأنشدني من شعره ما نقلته من مجموعه.
فمن ذلك له من قصيدة في الغزل:
فَرْعاءُ. بالطُّول قد خُصَّت ذَوائبُها ... حُسناً، كما خَطْوُها قد خُصَّ بالقِصَرِ
إذا تمشّت، لتقضي حاجةً عرَضَت، ... تمحو الذَّوائبُ ما بالأرض من اَثَرَ
وله:
أذاب قلبي بدرُ تِمٍّ، له ... أَلحاظ رِئم وقَوام القَضيبْ
في خدّه وردٌ، وفي رِيقه ... شُهْدٌ، وفي النَّكْهَة للصَّبّ طيبْ
يلحَظُني شَزْراً إذا جئتُه ... لأنَّه يعلَمُ أَنّي مُرِيبْ
وله:
أَفدي الذَّي زارني وَهْناً، وقد هجَعَت ... عينُ الغيور، ونام الحاسدُ الحَنِقُ
فبِتُّ أَلْثِمُ كفَّيْهِ، وأُكبِرُهُ ... عن قُبلة الخدّ، حتّى قوَّض الغَسَقُ
وله يصف الروض:
الرَّوضُ بينَ متوَّجٍ ومُكَلَّلِ ... والماءُ بين مُكَفَّرٍ ومُصَنْدَلِ
فانظُرْ إلى الوَسْمِيّ كيف كسا الثَّرَى ... ثوباً، يطرِّزُهُ مَعيِنُ الجدول
تلحَظْ جِنانَ الخُلد في الدُّنيا، بلا ... شكّ، وتَرْنُ نزهةَ المتأمِّلِ
فكأنَّ غَيْدانَ البَنَفْسَجِ عاشقٌ، ... بالصَّدّ والهجرِ المُبَرِّجِ قد بُلِي
وكأنَّ زهرتَه بقيّةُ عضَّةٍ ... في خدّ رئِم ذي دلال أكحلِ
والنَّرْجِسُ الغَضُّ الشَّهِيُّ، كأنّه ... حَدَقٌ. . أصابت بالصَّبابة مَقْتَلِي
مالي وللآرام؟ قبّح حسنها ... حالي، وغالت بالجمال تجمُّلِي
وتركنني غَرَضَ الرُّماةِ مُقَسّماً ... بينَ الوُشاةِ وبينَ عذلِ العُذَّلِ
هذا البيت مطابق مجانس، وقد وقع اختياري عليه وما يتلوه.
وله في الاستجداء استزادة:
خليفةَ الله، إِمامَ الهدى ... رِقاعُنا لِمْ حُبِست عنّا؟
إِن أنت لم تَقضِ بها حاجةً ... لنا، فلِمْ تأخُذُها مِنّا؟
وله في الذم:
اعتدلَ النّاس في النَّذالةِ والجه ... ل وضاقت مسالكُ السّالِكْ
فمن جحيم إلى لَظَى سَفَرٍ ... ونحن من هالك إلى مالِك
وله:
كمالُ الدِّين نقصُ الدِّيِ ... نِ لا شَكٌّ ولا كذِبُ
لئيمٌ. خانَهُ حسَبٌ، ... ولم ينهَضْ به أدبُ
تراه يفور من غيظ ... على الرّاجي ويلتهبُ
ويَهْوَى أَنّ آمِلهَ ... بكفّ الحَتْف مُسْتَلَبُ
فلا دامت له الدُّنيا، ... ولا رقَدت له النُّوَبُ
لو قال: " فلا انتبهت له الدنيا "، كان أحسن في المطابقة.
وله أيضاً:
إذا ما قَنَعنا باليسير، ولم يصل ... هنيئاً، قَنَعنا بالنَّزاهة والفقرِ