ومشرب كالنّار إن يذهب به ... حَضْرٌ وإن يسكن فماء سلسل
نهد إذا استنهضته لملمّة ... أعطاك عفوا عدوه ما تسأل
قيد الأوابد والنواظر إن بدا ... قلت: الجواد أم الحبيب المقبل
ومفاضة زَغْفٌ كأنّ قميصها ... ماء الغدير جرت عليه الشمأل
ترد العوالي منه شرعة حتفها ... وتعب فيه مناصل فتفلّل
وعزائم بيض الوجوه كأنها ... سرج توقد أو زمان يقبل
شيم عمرن ربوع مجد قد خلت ... فأضاء معتكر وأخصب ممحل
وله:
يا ضرة الشمس قلبي منك في وهج ... لو كان بالنّار لم تسكن ذُرى حجر
أبيت أسهر لا أغفي وإن سنحت ... إغفاءة فكمثل اللمح بالبصر
إذا رأيت الدجى تعلو غواربها ... والنجم في قيده حيران لم يسر
أقول ما بال بازي الصبح ليس له ... وقع وما لغراب الليل لم يطر
فإن سمحت بوصل أو بَخِلْت به ... شكوت ليلي من طول ومن قصر
لا أفقد النجم أرعاه وأرقبه ... في الوصل منك وفي الهجران من قمر
وله في الغزل أيضا:
نفسي فداك وعدتني بزيارة ... فظللت أرقبها إلى الإمساء
حتى رأيت قسيم وجهك طالعا ... لم تنتقصه غضاضة استحياء
فعلمت أنك قد حجبت وأنه ... لوراء وجهك ما سرى بسماء
وله يعرض بأحد الملوك، ويخاطب أبا أمية إبراهيم بن عصام:
امرر بقاضي القضاة إن له ... حقا على كل مسلم يجب
وقل له إن ما سمعت به ... عن سرّ من راء كلّه كذب
قد غرّني مثل ما غُرِرْتَ به ... فجئته يستحثّني الطرب
حتى إذا ما انتهيت سرت إلى ... سراب قَفْرٍ من دونه حجب
وملّة للسماح ناسخة ... لها نبيّ الاهه الذهب
وله إليه وقد كتب عين زمانه فوقعت نقطة على العين، فظن أبو أمية أنه أبهمها، واعتقدها وعددها وانتقدها:
لا تلزمنّي ما جنته يراعة ... طمست بريقتها عيون ثنائي
حقدت عليّ لزامها فتحولت ... أفعى تمجّ سمامها بسخاء
غدر الزمان وأهله عرف ولم ... أسمع بغدر يراعة وإناء
ومن نثره ما كتبه إلى الوزير أبي محمد ابن القاسم من رسالة: كتبت وما عندي من الود أصفى من الراح، وأضوأ من سقط الزند عند الاقتداح، وليس فيما أدعيه من ذلك لبس، وكيف وهو ما تجزي به نفسا نفس، فإن شككت فيه، فسل ما تطوي لي جوانحك عليه، أو اتهمته فارجع، إلى ما أرجع، عند الاشتباه إليه، تجده عذباً قراحا، سائل الغرة لياحاً. ولم لا يكون ذلك وبيننا ذمة تجل أن تحصى بالحساب، بيض الوجوه كريمة الأنساب، لو كانت نسيما لكان بليلا، ولو كانت زمانا لم تكن إلا سحرا أو أصيلا.
فراجعه أبو محمد برقعة فيها.
كتبت عن ود ولا أقول كصفو الراح فإن فيها جناحا، ولا كسقط الزند فربما كان شحاحا، ولكن أصفى من ماء الغمام، وأضوأ من القمر في التمام.
فراجعه عنها: كتبت - دام عزك - عن ود كماء الورد نفحة، وعهد كصفائه صفحة، ولا أقول أصفى من ماء الغمام، فقد يكون معه الشرق، ولا أضوأ من القمر في التمام، فقد يدركه النقص ويمحق، وليس ما وقع به الاعتراض مختصا بصفو الراح، ولا بسقط الزند عند الاقتداح، فإن أمور العالم هذه سبيلها، وجياد الكلم تجول كيف شاء مجيلها، وإنما نقول ما قيل، ونتبع من أجاد التحصيل، وحسن التأويل، فنستعير ما استعار، ونسير في التملح في القول إلى ما أشار، وبين أنا لم نرد من الراح الجناح، ولا من الزند الشحاح، ولا من ماء الورد ما فيه مادة الزكام، ولا زيادة في بعض الأسقام.
[الوزراء بنو القبطرنه]
ذكر أنهم أركان المجد وأثافيه، ولهم قوادم الحمد وخوافيه، وإنهم للمعالي نجوم، وللأعادي رجوم، ولهم النظم الفائح الفائق، والنثر الشائع السابق، فمنهم: أبو محمد ذكر أنه كتب إليه وذكر منها أبياتا:
أبا النصر إن الجدّ لا شكّ عاثر ... وإن زمانا شاء بينك جائر