قال مصنف الدرة الخطيرة: سألته أن ينفذ إليّ بشيء من شعره في حين تأليف الكتاب، فكتب إليّ:
أبا قاسم والفضل فيك سجية ... وأنت بكل المعلوات خليق
ومن مجْده فوق السّماك محلِّقٌ ... ومنصبه في المكرمات عريق
يكلفني إظهار ما قد نظمته ... لياليَ غصني ناضر ووريق
وإذ لمّتي تحكي خوافيَ ناعب ... وعندي لوصل الغانيات طريق
فكن ساتراً عورات خِلّك إنه ... شقيقك والخِلُّ الصديق شقيق
وله في المجون:
احتَل لأيرِك في درع مُضعّفة ... فبين فخذيه أرماح من الشّعر
الفقيه أبو القاسم عبد الرحمان بن أبي بكر
السرقوسي
له:
أما منكمُ من مسعد ومعاون ... على حرّ وجد في السويداء كامِن
أبانَ الكرى عن مقلتيّ التهابُه ... وما هو يوماً عن فؤادي ببائن
ومنها:
وبيداء قفر ذات آل كأنما ... هو البحر إلا أنه غيرُ آسن
ترى ظعنَهم فيه غداة تحمّلوا ... طوافي فوق الآل مثل السفائن
وله:
أسارقه اللحظَ الخفيّ مخافةً ... عليه من الواشين والرّقباء
وأجهد أن أشكو إليه صبابتي ... فيمنعني من ذاك فرط حيائي
وإني وإن أضحى ضنيناً بودّه ... لأمنحه ودّي وحسن صفائي
سأكتم ما ألقاه من حُرَق الأسى ... عليه ولو أني أموت بدائي
وله:
لا تبغِ من أهل الزمان تناصفاً ... والغدرُ من شيم الزّمان وأهله
وإذا أردت دوام ودّ مصاحب ... فاغضض جفونك جاهداً عن فعله
أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زيد
اللخمي الكاتب القاضي
له من قصيدة:
يا عذبةَ الريق عودي بعض مرضاكِ ... وعلّليه برشْفٍ من ثناياكِ
قد حاربته الليالي فيكِ جاهدة ... فصار من حيث ما يرجوك يخشاكِ
وله:
أيه المهدي لعيني السّهرا ... كان وجدي بك مقدوراً جرى
لم أكن أعلم ما عُلِّمْته ... من هواك اليوم إلا خبرا
ربّ لا حول ولا قوة لي ... صرتُ بعد العين أقفو الأثرا
عاذلي مهلاً فما العذر على ... عاشق مثلي حديث يفترى
أنت لا تأسى فدعني والأسى ... أشتفي منه وأقضي الوطرا
إنّ أوفى الناس حباً كلِف ... ظلّ فيه بالأسى مشتهرا
فعصى العاذلَ فيما قد نهى ... وأطاع الشوق فيما أمرا
وله يصف ضيق يده عن مساعدة صديقه فيما يقوم بأوده:
ولي مال من يغنى به فيكفّه ... ويعجز عن برِّ الصديق الملاطف
فلا البخل أرضاه ولا الجود أنتهي ... إليه لقد أوقِفْتُ شر المواقف
وما حيلة الحرّ المساعف إن سعى ... ولم يعط حظاً من زمان مساعف
وله في الشيب من قصيدة:
أساء صنيعاً شيبه بشبابه ... وأوقف خطّاب الخطوب ببابه
تجنّبه الأحبابُ من غير زلّة ... سوى ما تبدّى من فضول خضابه
وما أن وشى واشٍ به فأجبتُه ... ولكن شيب العارضين وشى به
ومن كانت الخمسون منه قريبة ... تباعد عن نيل المنى باقترابه
بنفسي شباب بان غير مُذمّمٍ ... ووكّل قلبي بالأسى وعذابه
فيا ليت إذ ولّى تولّى بحرمة ... وأبْرأني من موبقات احتقابه
ولكنه أبقاني الدهرَ بعدَه ... لعفْوِ إلاهي أو لمسّ عقابه
عدمت الأماني فاجتزيت بدونها ... ومن عدم الماء اجتزى بترابه
وله في الزهد:
يا ربّ صفحاً وغفراناً ومعذرة ... لمذنب كثرت منه المعاذير
يُبكيه إجرامه طوراً ويُضحكه ... رجاؤه فهو محزون ومسرور
[عبد الوهاب بن عبد الله بن مبارك]
له:
نفسي الفداء لظبي ... قد جاز في التيه حدّهْ
حكى القضيَ انعطافاً ... كما حكى الليث نجدَهْ
بالدمع طرّز خدي ... مذ طرّز الشَّعر خدّهْ