وباتت بوادي الشحر تحت ندى الصَّبا ... إلى الصبح فيما بين رشّ وتدخين
ومرّت بوادي الرند ليلا فأيقظت ... به نائمات الورد بين الرياحين
إذا ملت عن مجرى الجنوب فبلّغي ... سلاميَ مبلول الجناح ابن عبدون
وبين يدي شوقي إليه لبانة ... تخفّق من قلب للقياه محزون
مضى الأنس إلاّ لوعة تستفزّني ... إلى الصيد إلا أنّني دون شاهين
فمنَّ به ضافي الجناح كأنّه ... على دستبان الكف بعض السلاطين
إذا أخذت كفاه يوما فريسة ... فمن عقد سبعين إلى عقد تسعين
ولأبي الحسن أخيه:
ذكرت سُلَيْمَى وحرّ الوغى ... كجسمي ساعة فارقتها
وأبصرت بين القنا قدّها ... وقد ملن نحوي فعانقتها
[أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الرزاق]
الوزير الكاتب، وصفه باشتمال مطارف المعارف، واعتلاق حبائل الفضائل، وإعلام اعلام العلوم، والتبحر في علوم النجوم، واشتغاله آخر عمره بطلب الكيمياء، واشتعاله بحبها اشتعال النار في الحلفاء، وأفسد ذلك شكل عينيه، ولم يحصل منها طائل في يديه. وأورد له هذين البيتين في الغزل:
إن التي منتك نفسك نائلا ... منها وبرق عداتها لك خلب
أمست يعللها سواك فأصبحت ... علقت معالقها وصرّ الجندب
[أبو محمد ابن الحبير]
الوزير الكاتب، قال: شيخ الأوان، القاعد على كيوان، ووصفه بالكلام الرائق، والنظام المتناسق، ومن شعره الذي أورده:
رأيت الكتابة والجاهلو ... ن قد لبسوا عزّها لامه
فقلت لكل فتى عالم ... بديع الفصاحة علاّمه
إذا عزّ غيركم بالوداد ... فلا أنبت الله أقلامه
وله:
أركابهم شطر العذيب تساق ... يوم النوى أم قلبي المشتاق
عميت عليّ عيون رأيي في الهوى ... لله ما صنعت بي الأشواق
ولقد أقول لصاحب ودّعته ... وقد استهل بدمعي الإشفاق
يا فائزا قبلي برؤية دوحة ... أضفت ظلال فروعها الأعراق
من تغلب الحرب التي إن غولبت ... شقيت بحد سيوفها الأعناق
فَهُمُ إذا ما جالسوا أو راكبوا ... أخذوا بحقهم الصدور فراقوا
قاض كأنّ الليث حشو بروده ... وكأنّ ضوء جبينه الإشراق
بالله ربّك خُصَّهُ بتحية ... من ذي خلوص قلبه تواق
يصبو إلى تلك العلى فكأنّه ... صبّ أصابت لبّه الأحداق
ثاو بأرض بداوة لكنّها ... بالمالكِييِّنَ الكرام عراق
قوم إذا ومضت بروقهمُ همى ... صوب الحيا وأنارت الآفاق
وإذا استقل بنانهم بيراعة ... لبست وشيع برودها الأوراق
وإذا انتدوا وتكلموا أنسيت ما ... صانته من أعلاقها الأحقاق
أنصاركم وحماة مجدكم وما ... أولاكموه من العلى الخلاّق
بلقالق ذَلِقٍ كأنّ حديثها ... دُرُّ يفصّل بينها النساق
فهم إذا ألقوا حبال كلامهم ... غلبوا جهابذة الكلام وَفَاقُوا
لمّا جروا شَأواً ونالوا ما اشتهوا ... وثنوا أعنتهم وهم سبّاق
نصبت لهم حسدا على ما خوّلوا ... من سؤدد ونفاسة أوهاق
أبو محمّد ابن عبد الغفور
الوزير الكاتب. ذكره لي الفقيه اليسع بمصر وقال: أدركته بمرّاكش سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، وهو كاتب أمير المسلمين، ووجدت مؤلف قلائد العقيان يذكر هوجه، ويستوعر منهجه، ويرميه بالحقد والحسد، وينميه إلى الغل والنكد، غير أنه يثني على نظمه البديع، ونثره الصنيع. ومن شعره في مدح الأمير، أبي بكر يحيى بن سير، يذكر فرسا أشهب سابقا:
يا ملكا لم يزل قديما ... بكلّ علياء جدّ وامق