تبرَّجَتْ وهي أبكارٌ ومن عجبٍ ... أَن التخفُّرَ من أَمثالها ذُمِمَا
فخراً لدهرٍ غدا عبدُ الرحيم به ... بالأَمرِ والنهي يبدي الحكم والحِكَمَا
أسمى الورى وهو أسناهم يداً وندىً ... وأوسع الناس صدراً كلما سئما
وأَعْرَقُ الخلقِ في استيجاب رتبته ... وأَقدمُ الناس في استحقاقها قدما
كساه ربُّكَ نوراً من جلالته ... يَلقى العدوَّ فيكسو ناظرَيْه عَمَى
يلوحُ في الصدر منه البدرُ حين سما ... والغيثُ حين همى والبحرُ حين طما
يُغضي حياءً ويُغْضَى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إِجلالاً إذا ابتسما
هذا البيت تضمين:
لما عَلِقْتُ بحبلٍ من عنايته ... صالحت دهري ولم أَذْمُمْ له ذِمَمَا
وحين طالع طرفي سعدَ طلعتِهِ ... رأيتُ نجميَ في أُفْقِ العُلاَ نَجَما
وكان قدماً ذوو الأقدارِ لي خَدَماً ... فصرت منه أَرى الأقدارَ لي خدما
يا أيها الفاضلُ الصدِّيقُ منطقُهُ ... إِني عتيقك والمقصودُ قد فُهِمَا
أَعَدْتَ للعبدِ لما جئتَ عائدَهُ ... روحاً وأهلكتَ من حساده أُمَما
تركتهمْ ليَ حُسَّاداً على سَقَمي ... وكم تَمَنَّوْا ليَ الأَدواءَ والسَّقَما
نقلتَ شاني إِليهمْ ثم قلتَ لهمْ ... لا تَسْلَمُوا إن هذا العبدَ قد سلما
تفضُّلٌ منكَ أعلى بينهمْ قِيَمي ... ومنةٌ منك أَعْلَتْنِي لهمْ قمما
هبْ لي مِنَ القولِ ما أُثني عليكَ به ... أَوْ كُفَّ كَفَّكَ عن أَنْ تُشكِيَ الديما
ومنها:
شكري لنعماك دينٌ لي أَدينُ به ... والكفرُ عنديَ أَنْ لا أشكرَ النِّعَمَا
وقال:
إنه مالَ وملاّ ... فأتى الطيفُ وسَلَّى
عاطلاً حتى لقد عا ... دَ من اللثم مُحَلَّى
كنتُ في تقبيليَ الطي ... يفَ كمنْ قبَّلَ ظِلاَّ
وله من قصيدة:
عثرتُ ولكنْ في ذيولِ دموعي ... ونمتُ ولكنْ عن لذيذ هجوعي
وكاد فؤادي أن يطيرَ صبابةً ... لقانِصِه لولا فِخاخُ ضلوعي
وقال يهجو:
عبدٌ لعبد الله أَعرفه ... ما زال مسكُ صُنَانِهِ صَائِكْ
يخلو به فيودُّ من كلَفٍ ... لو أنَّهُ استه لائك
ولقد يكونُ بينهما ... والله يعلمُ من هو
وقال:
أما وهواك لولا خوف سخطكْ ... لهان على محبك أمر رهطكْ
ملكت الخافقين فتهت عجبا ... وليس هما سوى قلبي وقرطك
الأسعد أبو المكارم
أسعد بن الخطير بن مهذب بن زكريا بن مماتي
أحد الكتاب في الديوان الفاضلي، ذو الفضل الجلي، والشعر العلي، والنظم السوي، والخاطر القوي، والسحر المانوي، والروي الروي، والقافية القافية أثر الحسن، والقريحة المقترحة صورة اليمن، والفكرة المستقيمة على جدد البراعة، والفطنة المستمدة من مدد الصناعة. شابٌ للأدب رابٌّ، وعن الفضل ذابٌّ؛ وهو من شملته العناية الفاضيلة، وحسنت منه البديهة والروية: اجتمعت به في القاهرة وسايرني في العسكر الناصري وأنشدني من نظمه المعنوي، ما ثنيت به خنصر الاستحسان، وأذنت لجواده في الإجراء في هذا الميدان. واثبت منه كل ما جلا وحلا، وأشرق في منار الإحسان وعلا، وراج في سوق القبول وغلا. فمن قوله يصف الخليج يوم فتحه بالقاهرة:
خليجٌ كالحسام له صِقَالٌ ... ولكن فيه للرائي مَسَرَّهْ
رأيت به المِلاحَ تجيدُ عوماً ... كأنهمُ نجومٌ في المجرَّهْ
وقوله في غلام نحوي:
وأهيفٍ أَحدثَ لي نحوُهُ ... تعجباً يُعْرِبُ عن ظَرْفِهِ
علامة التأنيثِ في لفظه ... وأَحْرُفُ العلة في طَرْفِهِ
وقوله في غلام خياط:
وخَيَّاطٍ نظرتُ إلي ... هـ مفتوناً بنظرتِه
أسيل الخدِّ أَحمره ... بقلبي ما بوجنته