بأحسن منها يوم أومت بلحظها ... إلينا ولم تنطق حذار وشاتها
[الوزير الكاتب أبو بكر ابن قزمان]
خدم في أول عمره المنعوت بالمتوكل. في الغرب آخر يعرف بابن قزمان ينظم الأزجال وصفه بالإعجاز والإيجاز، والتبريز في البيان في ميدان الإحراز، وإن صدور عمره كانت أحسن له من الأعجاز، فإنه مني بالذلة بعد الاعتزاز، وأخلف الدهر له في مواعده فلواها دون النجاز، وأورد له من قوله ما يترنح لحسنه عطف الاهتزاز، وهو:
ركبوا السيول من الخيول وركّبوا ... فوق العوالي السمر زرق نطاف
وتجللوا الغدران من ماذيهم ... مرتجة إلا على الأكتاف
[الوزير الكاتب أبو بكر ابن الملح]
وصفه بالأخذ من طرفي الدين والدنيا، وحلول كنفي العلم والعلياء، فإنه لاذ بالتوبة، بعد الحوبة، وطلب الوزر، من الوزر، وخطا بالصفوةن بعد الصهوة، ورقى صهوة المنابر بعد القهوة، وكاس، بعد الكأس، وأدنى سنا الطهر بعد دجى الأدناس، ولبى سريعا منادي الهدى في نزع ما ارتداه في خلع العذار من اللباس، وقد أورد من قوله ما هو أنضر من روض الورد والآس، وهو قوله:
والروض يبعث بالنسيم كأنما ... أهداه يضرب لاصطباحك موعدا
سكرانُ من ماء النعيم فكلّما ... غنّاه طائره وأطرب رددا
يأوي إلى زهر كأن عيونه ... رقباء تقعد للأحبة مرصدا
زهر يبوح به اخضرار نباته ... كالزهر أسرجها الظلام وأوقدا
ويبيت في فنن توهم ظله ... يمسي ويصبح في القرارة مرودا
قد خفّ موقعه عليه وربّما ... مسح النعيم بعطفه وتأودا
وله يتغزل:
حسب القوم أنني عنك سال ... أنت تدري قضيتي ما أبالي
قمري أنت كل حين وبدري ... فمتى كنت قبل هذا هلالي
أنت كالشمس لم تَغِبَّ ولكن ... حجبت ليلها حذار الملال
وله يتغزل أيضا:
ظبي يموج الهوى بناظره ... حتى إذا ما رمى به انبعثا
مبتدع الخلق لاكفاء له ... يعد شكوى صبابتي رفثا
أنكر سقمي وما قصدت له ... وما تعرّضت للهوى عبثا
أقسم في الحب أن أموت به ... فما قضى برّه ولا حنثا
[الوزير الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية]
توفي سنة اثنتين وعشرين أثنى عليه بكل فضيلة، وثنى عليه عنان كل محمدة جميلة، ونزهه من كل رذيلة، ووصفه بأنه في وفاء الوقار، ونجاء النجار، يبقي بوفائه ذماء الذمار، ويذكي لذكائه كباء الكبار، رأيه ري، وزنده وري، شيم بارق الحسنى والحسن من شيمه، ولم شعث الأمل كرمه من كرمه، يستسقى الحيا بمحياه، ويستنشق نشر الخير من رياه، وذكر أنه دعي للقضاء فاستعفى، وعاف الأوزار وناظر ديانته ما أغفى، وإن لديه ينبت الحق وينبت الباطل، ويثبت العالم وينتفي الجاهل، وإنه كالبحر الزاخر في المحاضرة، وكالبدر الزاهر في المجاورة، وهو واحد الأندلس الأوحد، وعضبها المجرد، وله إنشاء، للسامع منه انتشاء، وقد أثبت من شعره ما يثني الإحسان إلى جيده الجيد، وتغري الاعراب بصيده الصيد، فمن ذلك يصف متنزها حله:
يا منزل الحسن أهواه وآلفه ... حقا لقد جمعت في صحنك البدع
لله ما اصطنعت نعماك عندي في ... يوم نعمت به والشمل مجتمع
وله أيضا في وصف متنزه:
يا دار أمّنك الزما ... ن صروفه ونوائبه
وجرت سعودك بالذي ... يهوى نزيلك دائبه
فلنعم مثوى الضيف أن ... ت إذا تحاموا جانبه
خطر شأوت به الديا ... ر فأذعنت لك ناصبه
وله فيه:
أمسك دارين حيّاك النسيم به ... أم عنبر الشحر أم هذي البساتين
بشاطىء النهر حيث النور مؤتلق ... والراح تعبق أم تلك الرياحين
الوزير الفقيه القاضي
أبو الفضل جعفر ابن الأعلم