للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقي أبا الحسن التهامي في صباه، وكان بمكة مولده وبالحجاز منشاه، وتوجه إلى العراق وغصن شبابه رطيب، وبرد آدابه قشيب، واتصل بخدمة الوزير المغربي ثم ورد خراسان وامتد إلى غزنة، وأستدر بها من أدبه مزنة، وذلك في سنة ست وأربعين وأربعمائة، وعمر إلى حد المائة، ولقي القرن بعد القرن، والفئة بعد الفئة، وكان مولده بمكة سنة إحدى وأربعمائة، وتوفي بغزنة سنة خمسمائة.

ولد وقد خدم بعض الأكابر ومدحه بقصائد وكان يستزيده:

كفَى حَزَناً أَنّي خَدمْتك بُرْهَةً ... وأَنفْقَتُ في مَدْحِيكَ شَرْخَ شَبابي

فلم يُرْوَ لي شُكْرٌ بِغيْرِ شِكايةٍ ... ولم يُرَ لي مَدْحٌ بغيرِ عِتابِ

وله:

قلتُ ثَقَّلْتُ إِذ أَتَيْتُ مِراراً ... قال ثَقَّلتَ كاهلي بالأَيادي

قلت: طولت، قال لا بل تطولت، وأبرمت، قال: حبل الوداد وذكره السمعاني مثل ما أوردته.

أبو بكر محمد بن عتيق بن عمر بن أحمد البكري

السوارقي

من أهل السوارقية، قرية بين مكة والمدينة، أقول: أبو بكر البكري شعره بكر، وله في ابتكار المعاني ذكاء خاطر وفكر، وكلامه لطائر البلاغة والبراعة وكر، شريف، فقيه ظريف، نبيل نبيه، فاضل فصيح، نسبه صريح، تفقه على الإمام محمد بن يحيى، بنيسابور، ومدح الأكابر والصدور، إلى أن لقي وجه جده العبوس، وأدركته وفاته بطوس، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، ذكره السمعاني في تاريخه بكلام هذا معناه، وقال أنشدني لنفسه إملاء:

سِوَى عَبراتي رَقْرَقَتْها المعالمُ ... وغيرُ فؤادي هَيَّجَتْه الحمائمُ

أَبَتْ لي رُكوبَ الذُّلِّ نَفْسٌ أَبِيَّةٌ ... وأَبيضُ مَصقول الغِرارَيْن صارِمُ

تقول سُليمَى يومَ بِنْتُ ودمعهُا ... عَلَى خدِّها من لَوْعة الْبَيْن ساجِمُ

رُوَيْداً إلى كم لا تزالُ مُخاطِراً ... بنفسٍ كريماً لَوَّحَتْهُ السمائمُ

فقلتُ لها والْعِيسُ في ذَمَلانِها ... تُلاعبها أَشْطانها والخَزائِمُ

ذَرِيني فلا أَرضى بعِيشَةِ مُقْتِرٍ ... وما رَضِيَتْ عني السُّيوف الصَّوارِمُ

لَئِنْ لم أُزِرْها الحَرْبَ قُبّاً يقودُها ... إِلى الموت لَيْثٌ من قُريشٍ ضُبارمُ

فلا وَلَدَتْني من لُؤَيِّ بن غالبٍ ... لُيوثُ الْوَغى والمُحْصَناتُ الكَرائمُ

أَيطمَعُ في العلياءِ والمجدِ سالِمٌ ... وعاتِقُه من عُرْضَةِ السَّيْف سالمُ

يحاوِلُ نَيْل المجد والسيفُ مُغْمَدٌ ... ويأْمُل إِدْراك العُلى وهو نائمُ

هذا شعر معتدل لم يطر به خطأ ولا خطل. قال: وسمعت أبا نصر الخطيبي يقول: للشريف أبي بكر البكري بيت ما قيل في معناه أحسن منه، وهو:

عَلَى يَعْمَلاتٍ كالحَنايا ضَوامِرٍ ... إِذا ما أُنيخت فالكَلالُ عِقالُها

قال وأنشدني أبو الحسن علي بن محمد البروجردي إملاء بأبيورد، أنشدني الشريف أبو بكر البكري لنفسه بنوقان قوله:

أَيا ساكِني نجدٍ سلامٌ عَليكمُ ... وإِن كنتُ لا أَرجو إِباباً إِليكمُ

وإِن كان جِسمي في خُراسان ثاوِياً ... فقلبي بنجدٍ لا يَزال لَدَيْكُمُ

[كافور النبوي]

أحد خدام حظيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه سيد أسود، شاعر مجود، قرأت في تاريخ السمعاني أنه ورد العراق وخرج إلى خراسان وبلاد ما وراء النهر ومدح الأكابر، ولا أدري هل اتفق له الرجوع إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا، وكان ببخاري في حدود سنة عشر وخمسمائة، وكان بخوارزم في شهر رمضان سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وكان أسود طويلاً لا لحية له، كان خصياً. قال أنشدنا محمود بن محمد الإمام بخوارزم، أنشدنا علي بن محمد الأدمي، أنشدنا كافور النبوي لنفسه:

حَتّامَ هَمُّك في حِلٍّ وتَرْحالِ ... تَبْغي العُلا والمَعالي مَهْرُها غالِ

يا طالبَ المَجدِ دونَ المَجدِ مَلْحَمةٌ ... في طيِّها تَلَفٌ للنَّفْسِ والْمال

ولِلَّيالي صُروفٌ قلَّما اُنجذبَتْ ... إِلى مُرادِ اُمرىءٍ يَسْعى لآِمالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>