وللرَّجاءِ ثوابٌ أَنت تعلمهُ ... فاجعلْ ثَوابي دوامَ السَّتْرِ لي أَبدا
وقوله حين قصد الفرنج أرض مصر:
يا رِبِّ إِنّي أَرى مصراً قد انتبَهتْ ... لها عُيون اللَّيالي بعد رَقْدَتِها
فاجْعل بها مِلَّة الإِسلام باقيةً ... واحرُس عُقودَ الهُدى مِنْ حَلِّ عُقدتها
وهَبْ لنا مِنكَ عَوْناً نستجِيرُ به ... من فِتنةٍ يَتَلظّى جَمْر وَقْدَتها
وذكر لي بعض المصريين بالقاهرة أن الصالح بن رزيك رغب عمارة في أن يعود متشيعاً ويأخذ منه ثلاثة آلاف دينار وكتب إليه:
قُل للفقيه عُمارةٍ يا خيرَ مَنْ ... أَضحى يؤلِّف خُطبةٌ وخِطابا
إِقبلْ نَصيحة مَنْ دعاك إِلى الهُدى ... قُلْ حِطَّةٌ وادخُل إِلينا البابا
تَلْقَ الأَئِمَّة شافِعين ولا ترى ... إِلاّ لديهمْ سُنَّةً وكِتابا
وعَلَيَّ أَنْ يَعْلو مَحَلُّكِ في الوَرى ... وإِذا شَفَعْت إِليَّ كنتَ مُجابا
وقبضتَ آلافاً وهُنَّ ثلاثةٌ ... صِلةً وحَقِّك لا تُعَدُّ ثوابا
فأجابه عمارة عنها:
يا خيرَ أَملاك الزَّمان نِصابا ... حاشاك من هذا الْخِطاب خِطابا
أَما إِذا ما أَفسدتْ عُلماؤكم ... مَعْمُورَ مُعْتَقَدي وصار خَرابا
وأَتى دليلُ الحَقِّ في أَقوالهم ... ودعوتُ فِكري عند ذاك أَجابا
فاشدُدْ يَدَيْك على أَكيدِ مَوَدَّتي ... وامْنُن عليَّ وسُدَّ هذا البابا
والعجب من عمارة أنه تأبى في ذلك المقام عن الانتماء إلى القوم وترك، وغطى القدر على بصره حتى أراد أن يتعصب لهم ويعيد دولتهم فهلك.
أبو بكر بن أحمد بن محمد العيدي اليمنى
تمهيد تاريخي:
الدولة الزريعية الحديث عن الشاعر العيدي وتفهم شعره يقتضينا أن نتحدث عن الدولة الزريعية التي عاش في كنفها وقال أكثر شعره فيها.
وقد جاءت الدولة الزريعية في أعقاب الدولة الصليحية. وحين تحدث العماد عن الشاعر اليمني ابن القم وجدنا أننا مضطرون إلى أن نفرد الصفحات الأولى للحديث عن الصليحيين في تتابع ملوكهم وتوالي أحداثهم.
وقد كان آخر من حكم اليمن من الصليحيين سبأ بن أحمد، الملقب بالأوحد، الذي توفي سنة ٤٩٢، وزوجه السيدة أروى، الملقبة بالملكة الحرة، التي تفردت بعده بالحكم وماتت سنة ٥٣٢ وقد وزر للسيدة أروى المفضل بن أبي البركات بن الوليد الحميري، ثم أخوه وابنه، وكانوا جميعاً عوناً لها على سياسة الملك، وتدبير المملكة، وقيادة الجيوش.
وكان الداعي الصليحي أبو الحسن علي بن محمد، أول الصليحيين قد فتح عدن وملوكها آنذاك بنو معن، فأقرهم على طاعته.
ولما زوج ابنه المكرم أحمد بالملكة الحرة السيدة أروى جعل صداقها خراج عدن، ثم اما قتل سنة ٤٥٨ تغلب على الخراج بنو معن.
فسار إليهم المكرم أحمد وأخرجهم منها وولي عليها العباس ومسعوداً ابني المكرم الجشمي الهمداني اليامي - وكانت لهما سابقة معروفة عند المكرم لقيامهما معه عند نزوله زبيد واستنقاذه أمه من سعيد الأحول - وجعل للعباس حصن التعكر وباب البر وما يدخل منه، وجعل لمسعود حصن الخضراء وباب البحر وما يدخل منه وإليه أمر المدينة، واستخلفهما لزوجته السيدة أروى، فكانا يحملان إليها كل سنة مائة ألف دينار تزيد وتنقص.
وتوفي العباس بن المكرم فانتقل عمله إلى ابنه زريع، وبقي عمه مسعود على ما تحت يده، واستقام كل منهما على عمله، وزاد زريع فملك الدملوة في سنة ٤٨٠. وكانا - أول الأمر - يحملان ما عليهما إلى السيدة أروى، ثم اجتمعا على أن يمنعا عنها ما كانا يدفعان من من خراج، فحاربهما وزيرها المفضل بن أبي البركات واصطلحا معه على النصف.
ثم تغلب أهل عدن على النصف حين أحسوا الضعف في حكم السيدة أروى بعد موت وزيرها المفضل، فسيرت إليهم ابن عمه أسعد بن أبي الفتوح بن العلاء بن الوليد الحميري فصالحهم على الربع. ثم تغلبوا على هذا الربع الباقي بعد ثورة الفقهاء على السيدة أروى بالتعكر.