للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيّا الحَيا قبرَه وأنبتَ ما ... عليه من روضه الأنيق حُلى

تالله ما حُلْتُ عن ولائكُمُ ... يوماً ولا اعْتَضْتُ عنكمُ بدلا

لكن رأيتُ الخُمولَ أرْوَحَ لي ... فما أُعاني الخِصامَ والجَدلا

في دار مَولىً تُقيمُ لي أبداً ... جُموعُه في خُصومتي رُسُلا

يشير إلى قاضي القضاة كمال الدين الشهرزوري، فإنَّ الجماعة كانوا يداعبونه بحضرته، ويُغضبونه بكلمته.

مَنْ كنتُ ليثَ الشَّرى فغادرني ... بحمل أثقال جَوْرِه جَمَلا

أرى نهيق الحِمار يُطرِبُهُمْ ... ويُنكِرونَ الجوادَ إن صَهَلا

يُجحَدُ فضلي وكلُّ ذي أدَبٍ ... يَمتارُ مِمّا أصوغُ مُرتجلا

مَن لي بخِلٍّ تدومُ خُلَّتُه ... ولا أرى في خِلاله خَللا

ترى مِياهاً عيني وبي ظمأٌ ... وما أُرَوِّي بوِردَها الغُللا

وهذه قصَّتي محرَّرةً ... نظمت تفصيلها له جُمَلا

ثم هاجر إلى مصر ووصل إليها في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وأنا بها، وأنعم عليه الملك الناصر وشرّفه وأكرمَه، وزادَ إدرارَه، وأجادَ إيثارَه.

وأنشدني له في غلامٍ صَيْقَلٍ يُكَنّى أبا الفتوح:

أذابَ الجسمُ حبُّ أبي الفتوحِ ... وملَّكَه الهَوى مالي وروحي

أعارَ السيفَ من عينيه حَدّاً ... يُصال به على البطل المُشيح

وَصقلاً من سَنا خدَّيه يُزري ... بضوءِ البرق للطَّرْفِ الطَّموح

التاج البَلَطيّ النحويّ

أبو الفتح عثمان بن عيسى بن منصور

ذكَرَ أنَّ أصلَ من بلدةٍ يقال لها بلَط، ومولده في بني مايدة بالمَوصل لِثلاثٍ بَقِينَ مِن شهر رمضان سنة أربعٍ وعشرين وخمسمائة. وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق برهةً من عمره يتردَّد إلى الزَّبداني للتعليم، وكان مقيماً بها في صَوْنٍ مُقيم، ولمّا فُتحَت مِصر انتقل إليها وحَظِي، وأعتبه دهرُه ورضي، ورتَّب الملك الناصر صلاح الدين له على جامع مصر كلَّ شهر جارياً، ليكون للنحو بها مُقْرِياً، وللعلم قارياً، وكنت لقيته بدمشق فلمّا وصلتُ إلى مصر اجتمعتُ به واستنشدته من شعره فأنشدني من قصيدةٍ له وذلك في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين:

حكَّمْتُه ظالماً في مُهجَتي فسَطا ... وكان ذلك جهلاً شُبتُه بخَطا

هلاّ تجنَّبْتُهُ، والظُّلمُ شيمتُه ... ولا أُسامُ به خَسْفاً ولا شَطَطا

ومَن أضَلُّ هدىً مِمَّن رأى لهَباً ... فخاض فيه وألقى نفسَه وسَطا

وَيلاهُ من تائهٍ أفعاله صَلَفٌ ... مُلَوَّنٍ كلّما أرضيتُه سَخِطا

أَبثُّه ولَهي صِدقاً، ويكْذِبنيوعْداً وأُقسِطُ عَدلاً كلّما قَسَطا

وأنشدني له من قصيدة:

أبثُكما ما ضِقْتُ عن حَمْله فحْصا ... فقد عمَّ بالجسم السَّقام وقد خصَّا

ومِن دون كِتمان الصبابة مُهجةٌ ... تذوب على من ليس يرحمُني حِرصا

رشاً فاق بدرَ الأُفق حسناً وأَشبه الْ ... قضيبَ قَواماً مُذْ حكى رِدْفُه الدِّعْصا

وذَكر أن للقاضي الفاضل عنده يداً، وقد أسدى إليه عارفةً وندى، وبلغ به في الكرامة إلى غاية ليس لها مدى، قال: فعملت فيه عند عَوده من الشام وقومه قطعةً أوّلها: قدمتَ خيرَ قُدومِ ومنها:

أفديك من قادمٍ لم ... يزل عليَّ كريمِ

به تباعدَ بؤسي ... عنّي ووافى نعيمي

لله عبدٌ رحيمٌ ... يُدعى بعبد الرحيم

على صِراطٍ سَوِيٍّ ... من الهدى مُستقيمِ

يُنمى إلى شرفٍ في ... ذُرى المَعالي صَميم

مُهذَّبٌ حاز ما شئ ... ت من تقىً وعلوم

مُسهَّد الطَّرف يتلو ... آيَ القرآن العظيم

ومن أهاجيه قوله في أمراء الزّبداني بني سرايا:

مَن أحَبَّ الهَوانَ لا يتعدَّى الدّ ... هرَ سُكْناهُ بين آل سرايا

ما أَعَدُّوا لِنازِلٍ بهمُ شي ... ئاً سوى اجَبْهِ بالخَنا والرَّزايا

<<  <  ج: ص:  >  >>