للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمثل نباهتك سارت الأخبار، وفيك وفي بداهتك اعتبار، لقد نلت فيها كل طائل، وقلت فلم تترك مقالا لقائل، وعززت بثالث هو الجميع، وبرزت فأين من شأوك الصاحب والبديع، جلاء بيان، في خفاء معان، هذا أثبت للسهى جلالا، وأشاد فيه لذوي النهى أمثالا، وذاك رفع للأقمار لواء، وألقى على شمس النهار بهجة وضياء، أقسم بسبقك، ومقدم حقك، لئن أفحمت بما نطقت، لقد أفهمت عن أي صبوح رققت، ومهما أبهمت تفسيرا، فدونك منه شيئا يسيرا، لمالا اعتمدنا نحن ذلك المظهر، فما أبعدنا هنالك الأثر، بل اقتصدنا في الإصعاد، وقدنا من تلك النيرات كل سلس القياد، حتى إذا اشمأز طلقها، فعز أبلقها، وصبحنا مواردها، فافتتحنا ماردها، وثنينا عنان الكريمة، وارتضينا إيانا ببعض الغنيمة، هببت أنت هبوب زيد الفوارس، وقربت تقريب الالد المداعس، تومض في رجوم، وتمتعض للنجوم، فاستخرجتها من أيدينا، وازعجتها عن نواحينا، ثم صيرت إليك شملها، وكنت أحق بها وأهلها، ومن هنالك أوصلت سراك، فصبحت الفيالق، وفتحت المغالق، وتسنمت تلك الحصون، وأقسمت لتخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون، فأذعن لشروطك الشرطان، وازدحمت بالبطين حلقتا البطان، وثار بالثريا ثبور، وعصفت بالدبران دبور، وهكذا استعرضت المنازل، واستهضم جميعنا الخطب النازل، ثم تيامنت نحو الجنوب، فواها للمعاصم والجنوب:

لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق في حبال القِدّ مسلوب

استخرجت السفينة من لججها، وجالت الناقة بهودجها، وغودرت العقرب يخفق فؤادها، وذعرت النعائم فخاب إصدارها وإيرادها، ولما تصفحت تلك الآفاق، وأنخت فيها وشددت الوثاق، عطفت الشمال، واتبعت أسباب الشمال، فلا مطلع إلا ألقى إليك اليمين، واستدارت حوله الفكة فسميت قصعة المساكين، وانتهيت إلى القطب فكان عليه المدار، وتبوأته ففيه عن جلالتك افتخار، ثم أزحت صعادك، وأرحت ممسك الأعنة جيادك، ونعمت بدار منك محلال، ثم ما نمت عن ذي إكبار لك وإجلال، تتيمه بسحر الكلام، وتشجمه أن يستقبل استقلالك بالإعلام، وإذ لا يتعاطى مضمارك، ولا يشق غبارك، فدونك ما قبلي من بضاعة مزجاة، وإليك مني معطي طاعة وطالب نجاة، إن شاء الله عز وجل.

وله من رسالة: أبابل في ضمن أقلامك، وما أنزل على الملكين في وزن كلامك، أم وهو البيان لا غطاء دونه، وما أحقه بأن يكونه.

[الوزير أبو عامر ابن أرقم]

وصفه بالارتواء من ورد الآداب النمير، والاحتواء على كنز الفضل الغزير، والاستواء على سرير الملك في البراعة، والاستيلاء على إبداع الصنائع بسر الصناعة، والانتشاء من سلاف سلفه، في فضله وشرفه، فقد كان أبوه الوزير الكاتب أبو الأصبغ مبرا في الكتابة على مباريه، سابقا لمجاريه، فنشأ ولده أبو عامر عامرا بحد أبيه، مربوبا في حجر حجره، مهادا في مهاد الإحسان بين سحر البيان ونحره، ومن شعره الذي أورده ما يشعر بفضله، ويعرف بفرده، في مدح الأمير عبد الله بن مزدلي:

سريت والليل من مسراك في وهل ... مبرأ العزم من أيْنٍ ومن كسل

وسرتَ في جحفل يهدي فوارسه ... سناك تحت الدجى والعارض الهطل

والبدر محتجب لم تدر أنجمه ... أغاب عن سَرَرٍ أم غاب عن خجل

هوت أعاديك من سار يُؤرّقه ... ركض الجواد وحمل اللامة الفضل

إذِ الملوك نيام في مضاجعهم ... يستحسنون بهاء الحلي والحلل

لله صومك برا يوم فطرهم ... وما توخيت من وجه ومن عمل

نحرت فيه الكماة الصيد محتسبا ... وحسب غيرك نحر الشاء والإبل

إذا صرير المدارى هزهم طربا ... ألهاك عنه صرير البيض والأسل

وإن ثنتهم عن الاقدام عاذلة ... مضيت قدما ولم تأذن إلى العذل

كم ضم ذا العيد من لاه به غزل ... وأنت تنشد أهل اللهو والغزل

في الخيل والخافقات البيض لي شغل ... ليس الصبابة والصهباء من شغلي

ظللت يومك لم تنقع به ظَمَأ ... وظل رمحك في علّ وفي نهل

وكلما رامت الروم الفرار أتت ... من كل صوب وضمتها يد الاجل

فصار مقبلهم نهبا ومدبرهم ... وعاد غانمهم من جملة النفل

<<  <  ج: ص:  >  >>