والخَوْفُ قد طَبَّق الأقطار أَجْمَعَها ... فالهامُ تُفْلَق والأَصْلاب تَنْفَصِم
هناك تأْتي المنايا طَوْعَ بُغْيِتَنا ... فلم تزل في نفوس القَوْم تَحْتَكِم
ونحن أُسْدُ وغىً أَرماحها أَجَمُ ... وَمِنْ فوارسها الأَبطال والبُهَم
ومثل يومٍ فَشَتْ في النّاس روعتُه ... من الفَرَنْج وموجُ المَوْتِ مُلْتَطِم
قُمْنا وقد قَعَد الأَقوام أَجْمَعُهُمْ ... فما تَساوَتْ به العِقْبان والرَّخَم
والباطنيَّةُ مُذْ هَمُّوا بأَجْمَعِهم ... وأَظهروا بفَساد الدّين ما كتَموا
وغَرَّهُمْ عَدَدٌ جَمٌّ وداخَلُهْم ... عُجْبٌ بما اجتمعوا فيه وما اجْتَرَموا
وأَيْقَنوا أَنّ صُبْحَ الحقّ لاحَ لَهُمْ ... والخَلْقُ دونَهُمُ تغشاهُمُ ظُلَمُ
ثُرْنا لهم ثَوْرةً في الله صادِقةً ... وَهَتْ عُرى عُرِفْهم فيها وما عَزَمَوا
هذا وإِنْ رابَتِ السُّلْطانَ حادِثَةٌ ... واستعجمتْ وقَضاءُ الله يَنْعَجِم
قُمْنا لها فكفَيْناها بأَنْفُسِنا ... وما تُساعِدنُا الأَعْوان والخَدَم
وإنْ أَتى المَحْلُ يوماً صاب صَيِّبُنا ... وجاد فيه إِذا ما ضَنَّتِ الدِّيَم
وإِنْ تقاسَمْتُمُ بالحُبِّ كان لكم ... منه النَّصيبُ الحقيرُ التّافِهُ الزَّنِم
فكم أَتَيْتَ بقولٍ منكَ مُخْتَلَقٍ ... ومال له قَدَمٌ صِدْقٌ ولا قِدَم
وما نَزَلْتَ على قومٍ ذَوي رَحِمٍ ... إِلاّ وشُتِّتَ مِنْ جَرّاك شَمْلهُمُ
إنِي لأَخْشى على مصرٍ وإِن عَمُرَتْ ... تُضْحي وأَبياتُها من رَأْيِكُمْ رُمِمَ
فالله يَكْفي أَميرَ المُؤمنين شَدِي ... فَسادَ فِعلكُمُ ما أَوْرَق السَّلم
///أهل معرة النعمان وقد غلب عليهم الشعر منهم:
[بنو سليمان]
من أهل المعرة
[التنوخيون]
هم من البيت القديم، والمجد الصميم، وما زالوا القضاة بالمعرّة، القُصاة من المعرة، ومنهم أبو العلاء الشاعر المُفلِق، الذي امتلأ بفضله المغرب والمشرق، وكان سليمان بن أحمد بن سليمان جد جد أبي العلاء قاضي المعرة في سنة تسعين ومائتين، ثم بعده ولده محمد أبو بكر، وفيه يقول أبو بكر الصنوبري الشاعر:
بأبي يا ابنَ سُلَيْما ... ن لقد سُدتَ تَنوخا
وهمُ السادةُ شُبّا ... ناً لَعَمْري وشيوخا
أدركَ البُغيةَ مَن أض ... حى بناديك مُنيخا
وارِداً عندك نِيلاً ... وفُراتاً وبَليخا
واجداً منكَ متى استصر ... خَ للمجد صَريخا
في زمانٍ غادر الهِم ... ماتِ في الناسِ مُسوخا
ثم بعده ولده سليمان، أبو الحسن، ومن شعره في الناعورة:
وباكيةٍ على النّهر ... تنوحُ ودمعُها يَجري
تُذكِّرُني أحِبّائي ... وحالي ليلةَ النَّفْرِ
وتولى قضاء حمص أيضاً. ثم عبد الله أبو محمد ولده وهو والد أبي العلاء، ولعبد الله شعر في مَرثية والده وقد توفي بحمص سنة سبع وسبعين وثلاثمائة:
إنْ كان أصبح مَن أهواهُ مُطَّرَحاً ... ببابِ حِمص فما حُزني بمُطَّرَحِ
لو بان أَيْسَرُ ما أُخفيه مِن جَزَعٍ ... لمات أكثرُ أعدائي من الفرحِ
وله:
سمعتُم بأَجْوَرَ مِن ظالمٍ ... أَعَلَّ الفؤادَ وما عادَهُ
وقد كان واعدني زَوْرَةً ... فَأَخْلفَ يا قوم ميعادَهُ
ثم ولده أبو العلاء أحمد، وهو المعروف المشهور الفضل والفضيلة، وأخوه أبو المجد محمد بن عبد الله، وله أيضاً شعر، وهو أكبر من أبي العلاء، ومن شعره:
كَرَمُ المُهَيمِنِ مُنتَهى أَمَلي ... لا نِيَّتي أرجو ولا عملي
يا مُفْضِلاً جَلَّتْ فواضِلُهُ ... عن بُغيَتي حتى انقضى أَجلي