له من حديد الهند أكرمُ والدٍ ... وبين قُيون الهند أصنع حاذق
ومِنْ شَقِّ هامات الفوارس شاهدٌ ... به من حميد الصَّمْتِ أبلغُ ناطِق
وإمّا بدا مِن مَشرِق الغِمْد طالعاً ... فمَغْربه بين الطُّلى والمَفارق
ها هنا قبضتُ يدي، وقضبْت جدَدي، وقطعت اختياري، وأطعْت اضطراري، فإنّي لو أتيت على فوائد الحصكفيّ المختارة، لأغرقت هذا الكتاب في أبحره الزّخّارة، فما عدَّه الانتقاءُ من نتف الحصكفيّ وأحصى كفى، وما أعدَّه الانتقاد لِمَن يُطالعه ممن بعدها كفلَ بالمَقصود ووَفى، ودأْبي في هذا الكتاب، أن أستوفيَ شرح فضائل الأفاضل من ذوي الآداب، إلاّ مَن لم يقع إليَّ ديوانه، أو مَن لمْ يجمع بيني وبينه بيانه، فإنّني مع صدِّه قنعتُ بمَوجود جَداه، ونقعْتُ الصَّدى بنَداه، والمقصود المَصدوق تكثيرُ الفائدة، وتخضير المائدة، وتوشيع المُسهَم، وتوشيح المُعلَم، وتطريز برود البُدور المُتجلِّية، وتبريز عقود العقول المُتحلِّية، فليَهَبِ المستفيدُ منها طولَها لطَولها، ولْيُعَوِّلْ على مسائل الفضائل في عَوْلها.
ومن الأكراد الفضلاء
الحسين بن داوود البَشْنَويّ
ابنُ عمِّ صاحب فنَك، عصره قديم، وبيتُه كريم، ذكر الشاتاني أنَّ والده رآه، وتوفي في سنة خمس وستين وأربعمائة، وله ديوان كبير، وشِعرٌ كثير، ومن شعره في قصيدةٍ جيميّة يذكر فيها شَعَث بِزَّته مطلعُها:
على الحُرِّ ضاقتْ في البلاد المَناهِجُ ... وكلٌّ على الدُّنيا حَريصٌ ولا هِجُ
ولا عيبَ فينا غيرَ أنَّ جِبابَنا ... خِلاطِيَّةٌ، ما دبَّجَتْها النَّواسِجُ
وله:
أَدِمْنَةَ الدّار مِن رَبابِ ... قد خصَّك الله بالرَّباب
يَحِنُّ قلبي إلى طُلولٍ ... بنَهْر قارٍ وبالرَّوابي
ومنها:
أآلُ طهَ بلا نصيبٍ ... ودولةُ النَّصْب في انتصاب
إنْ لم أُجرِّد لها حُسامي ... فلست من قيسٍ في اللُّباب
مَفاخِر الكُرْدِ في جُدودي ... ونَخوةُ العُرْبِ في انتسابي
وله:
جِسمي لعِلّةِ لَحْظِ الخَوْدِ مَعْلُول ... والقلبُ من شُغُلي بالحِبّ مَشْغُولُ
بي لَوْعَةٌ لبيانِ البَيْنِ شاغلةٌ ... ولي دَمٌ في طُلول الحيِّ مَطْلُولُ
يا دارَ سلمى عَلامَ الغيثُ مُنْتَجَعٌ ... ومِن دموعي عليكِ الغيثُ مَهْطُولُ
كيف المَليحةُ لي بالوَصْلِ باخِلَةٌ ... والسِّحرُ من عَيْنِها للعينِ مَبْذُولُ
سَقيمةُ اللَّحْظ أَبْلَتْ مُهجَتي سَقَمَاً ... ألفاظُها مُرّةٌ والثَّغرُ مَعْسُولُ
فَلَيْتَها كَحَلَتْ عَيْنِي بناظرِها ... خَوْدٌ لها ناظرٌ بالغَنْجِ مكحولُ
في طَيِّها خَفَرٌ، في طَرْفِها حَوَرٌ ... في سِنّها صِغَرٌ، في جِيدها طولُ
ما مَسّها الطيبُ إذ طاب الحياة بها ... والطِّيبُ من خَفَر الغيداءِ مَعْمُولُ
ما للهوى قد عَزَزْنَ الغانِياتُ به ... حتى تذلَّ لها الصِّيدُ البَهاليلُ
لكنّني والهوى في حُكْمِه حَكَمٌ ... جاري عزيزٌ ومني البِشْرُ مأمولُ
إن يَعْرِف الناسُ رَسْم الذُّلِّ في جهةٍ ... فالذلُّ عند بني مهران مجهولُ
نحن الذُّؤابةُ من كُرْدِ بنِ صَعْصَعةٍ ... من نَسْلِ قيسٍ لنا في المَحْتِد الطُّولُ
أمين الدولة أبو إسحاق
إبراهيم بن سعيد الشاتاني
أخو علم الدين، وكان أكبر منه سناً وناب بخلاط عن وزيرها، واستقل بنظم أمورها، وتوفي سنة أربع وخمسين بها، أنشدني علم الدين الشاتاني لأخيه هذا، مما كتبه إليه:
ولو أنّ دِجْلة فيها الفُرات ... وَسَيْحونُ والبحرُ كانتْ مِدادي
وَجَيْحونُ والنيلُ، ما بَلَّغَتْ ... عُشَيْرَ الذي يحتويه فؤادي
من الشوقِ يا مَن حوى مُهجتي ... وصَيَّر طَرْفِي حَليفَ السُّهادِ