وهم كما قال العزيزُ القَهّارْ ... فيهم فما أصبرَهُم على النّارْ
سيعلَمون مَنْ له عُقْبى الدّارْ
أبو الفتح بنُ قران
كان في أيّام المُقتفي شيخاً مطبوعاً، مربوعاً يختِضبُ، خليعاً يلعب ويطرَب، في زيّ المتنسّكين، وصبغ المنهتكين، حلوَ المنادمة والتمسخُر، وقفاً على اللهو والتعثّر.
وسمعت: أنه تاب مرةً، ولبس الخِرقةَ، ثم عاد عن التّوبة في الحال، وقال:
بَسّي من الزُهدِ بَسّي ... قامت من الزُهْدِ نفسي
متى أراني صَريعاً ... مابين ج ... وك ...
وسخفُه أسقطه، وحبَطه، وهبَطه.
أحمد بن محمد بن شُميعة
من باب الأزَج.
رأيته ببغداد سنة إحدى وخمسين وخمس مئة في سوق الكتب، واستنشدته، ورأيت له خاطراً مطبوعاً، ورأيت من دأبه نظم قصائد مختلفة الأوزان والرويّ في قصيدة واحدة، يمدح بها الأعيان، ويكتب ذلك بالحمرة والألوان المختلفة.
أنشدني له قصيدة، علق بحفظي منها هذه الأبيات، وهي:
لا أشتكيها وإن ضَتْ بإسافي ... وإنّما أشكي من طيفه الجافي
ومنها:
حِقْفٌ لمُعتنِقٍ خمرٌ لُغتبِقٍ ... وردٌ لمنتشقٍ مسكٌ لمُسْتافِ
ومنها:
همُ الأحبّةُ إلا أنّ عندَهُمُ ... ما في المُعادينَ من خُلْفٍ وإخلافِ
وأنشدني الشيخ أبو المعالي الكتبيّ لابْن شُميعة:
وُدّ أهلِ الزّوراءِ زورٌ فلا يس ... كُنُ ذو خِبرةٍ الى ساكنيها
هي دارُ السلامِ حسْبُ فلا مط ... مَعَ فيها في غير ما قيل فيها
وتوفّي ابن شميعة بعد سنة خمس وخمسين.
وإذا جئتم ثنيّاتِ اللِّوى ... فلِجوا رَبْعَ الحِمى في خطَرِ
وصِفوا شوقي لسُكّان الحِمى ... واذكُروا ما عندكم من خبري
وحنيني نحوَ أيامٍ مضت ... بالغَضى لم أقضِ منها وطَري
فاتني فيها مُرادي وحلا ... لتمنّي القُرب منها سهَري
كنتُ أخشى فوقَه قبلَ النّوى ... فرماني حذري في حذري
آهِ وأشواقاً الى من بدّلوا ... صفْوَ عيشي بعدَهُم بالكدَرِ
كلّما اشتقتُ تمنّيتُُهُمُ ... ضاع عمري بالمُنى وا عُمُري
أبو الحسن عليّ بن أبي الفُتوح بن أحمد
ابن بكري الكاتب
من الحريم.
والده مستعمل السّقلاطون لدار الخِلافة. وكان هو كاتباً في ديوان المجلس سنين، ثم صرفه الوزير.
فيه فضل وأدب. وهو من طبقات الشَّطْرَنْجيين ببغداد.
أنشدني لنفسه - ببغدادَ - سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة، بيتين له في سوداءَ، وهما:
يا مَنْ فؤادي فيه ... مُتيّمٌ ما يزالُ
إنْ كان للّيلِ بدرٌ ... فأنتِ للصُبحِ خلُ
وأنشدني لنفسه يستعيرُ كتاباً ممّنْ ألزم نفسه ألا يُعير أحداً كتاباً:
يا مَنْ أنابَ وتابا ... ألاّ يُعيرَ كتابا
قد رُمْتَ ذاك ولكن ... محبّةُ الشُكْرِ تابى
وأنشدني أيضاً لنفسه أبياتاً، عمِلها ارتجالاً بحماة حين كان بالشّام، وكان على شاطئ النّهر المعروف بالعاصي:
قعَدْتُ على عاصي حماةَ وقد بكت ... نواعيرُه والماء يضحكُ فيه
فهاج لقلبي صبوةً لم أصِبْ لها ... شبيهاً وهل يؤتى لها بشبيهِ
وما زال يهتاجُ الفتى كلّ رنّةٍ ... إذا ما نوىً شطّت بدارِ أبيهِ
وأنشدني لنفسه في بعض الأكابر، وكان بيده بنفسج:
يا من عُلاه على السّماءِ مُطلّةٌ ... وبفضله تتحدّثُ الأمصارُ
إن كان يظهَرُ للبنفسج خجلةٌ ... من طيب نشرِك راح وهْو بَهارُ
وأنشدني لنفسه، وذكر لي أنّها من قصيدة:
أمامكَ أوطارٌ وخلفَك أوطانُ ... فعزمك ما بين البواعثِ حيْرانُ
إذا شمَلت هزّتْك للشّوقِ صبوةٌ ... وإن جنَبَتْ هزّتْك للإلْفِ أشجانُ
وأنشدني لنفسه في الاشتياق، سنةَ إحدى وستّين وخمس مئة، قوله:
الشوقُ ألوانٌ وأوفاهُ ما ... كان الى أهلٍ وجيرانِ
لو قرّب الشّوقُ لإفراطه ... ناء الى ناءٍ لأدناني
وقوله مما نظمه قديماً بدمشق: