عدم الراح فصارت ... مثل دهن البلسان
فكتب إليه ابن عكاشة:
يا فريدا لا يُجَارَى ... بين أبناء الزمان
جاء من شعرك روض ... جاده صوب البيان
فبعثناها سلافا ... كسجاياك الحسان
الوزير القائد أبو الحسن علي بن محمد
ابن اليسع
قال الفقيه اليسع، هو ابن عم جده حزم ولم يدركه. ومصنف القلائد وصفه مع علو شانه، وسمو مكانه، بخلع العذار، والاشتهار في الاستهتار، واقتصاص عذرة الخد مع العذراء ذات الخمار، وأخذ العقار، ونبذ الوقار، وحب المجون، وشرب الزرجون، فأفضى به ذلك إلى وهن ملكه، ووهي سلكه، وخلعه بسبب الخلاعه، وضياع قدره لما قدره من الإضاعه. وأورد من شعره ما يدل على حسنه وإحسانه في العبارة والبراعه. فمن ذلك قوله يخاطب أبا بكر ابن اللبانة، وكانا على طريقين فلم يظفرا من التلاقي باللبانة.
تشرق آمالي وشعري يغرب ... وتطلع أشجاني وأنسي يغرب
سريت أبا بكر اليك وإنّما ... أنا الكوكب الساري تخطّاه كوكب
فبالله إلا ما منحت تحية ... تكر بها السبع الدراري وتذهب
وبعد فعندي كل علق تصونه ... خلائق لا تبلى ولا تتقلّب
كتبت على حالين بعد وعجمة ... فياليت شعري كيف يدنو ويقرب
وذكر أنه قصد المعتمد فأمر الوزيرين أبا الحسن ابن سراج وأبا بكر ابن القبطرنه بالمشي إليه إجلالا لموضعه، واحتفالا بموقعه، وتنويها بقدومه، وتنبيها على خصوص فضله وعمومه، فوافياه وهو في خلوة مع خشف، وطرف ونشوة ورشف، فاختفى عنهما خشفه، وشف لهما عنه سجفه، فلما انصرفا عزما على أن يكتبا إليه. كتب الوزير أبو الحسن إليه:
سمعنا خشفة الخشف ... وشمنا طرفة الطرف
وصدقنا ولم نقطع ... وكذبنا ولم ننف
وأغضينا لإجلال ... ك عن أكرومة الضيف
ولم تنصف وقد جئنا ... ك ما تنهض من ضعف
وكان الحق أن تحمل ... أو تردف في الردف
فكتب إليهما مراجعا لهما:
أيا أسفي على حال ... سلت بها من الظرف
ويا لهفي على جهل ... بضيف كان من صنفي
[الوزير المشرف أبو محمد ابن مالك]
من غرناطة، مات سنة ثلاثين. وصفه بسمو الهمم، ونمو الكرم، وصفو الشيم، كصوب الديم، ووفور الوقار، وظهور المقدار، وذكر أنه ولاه أمير المسلمين ابن تاشفين ماله بالأندلس، وتمكن قبوله الأنفس من الأنفس، وبحر أدبه زاخر، وزهر فضله باهر، وأورد من نظمه بيتين زعم أنه قالهما في مجلس طرب مؤنس وهي:
لا تلمني إذا طربت لشجو ... يبعث الأنس والكريم طروب
ليس شق الجيوب حقا علينا ... إنما الحق أن تشقّ القلوب
وذكر أنه اجتاز عليه بطرطوشة، والحدود فيها بحده منغوشة، وأنه أسمعه من شعره كل مستطاب مستفاد، استطابته العين الساهدة للرقاد، فمن ذلك قوله:
سالت بِمَيّ صروف الدهر والنُّوَب ... وبان حظك منها وانقضى السبب
فماء خدّك في الخدين منسجم ... ونار وجدك في الأحشاء تلتهب
تعجّب النّاس من حاليك فاعتبروا ... وكل أمرك فيه عبرة عجب
ضدّان في موضع كيف التقاؤهما ... النار مضرمة والماء منسكب
وذكر أنه اجتمع به في إشبيلية في روض مونق، وزهر مفتق، وقطف وسيم زهره، كأنما البدر قارن الزهرة، فسألني وهي في كفه، أن أقول شيئا في وصفه، فقلت:
وبدر بدا والطرف مطلع حسنه ... وفي كفه من رائق النور كوكب
فقال أبو محمد:
يروح لتعذيب القلوب ويغتدي ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب
ويحسد منه الغصن أيّ مهفهف ... يجيء على مثل الكثيب ويذهب
الوزير أبو القاسم ابن السقاط الكاتب