للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان كاتبا لأبي محمد ابن مالك المذكور. وصف استعذاب مقاطعه، واستغراب مطالعه، وتضوع نشر وفائه، وتوضح بشر صفائه، وتبسم ثغر أدبه عن أقاحي المعاني الزهر، وتنسم أرج فضله في نواحي الأماني الغر، لكنه عابه بالاشتهار بالمردان، والاستهتار بحب الصبيان، وأورد من نظمه ما شاكل عقود اللآلي في نحو الحسان، فمن ذلك قوله:

سقى الله أيامنا بالعذيب ... وأزماننا الغرّ صوب السحاب

إذا الحب يا بثن ريحانة ... تجاذبها خطرات العتاب

وإذ أنت نوّارة تجتنى ... بكف المنى من رياض التصابي

ليالي والعيش سهل الجنى ... نظير الجوانب طلق تالجناب

رميتك طيرا بدوح الصبا ... وصدتك ظبيا بوادي الشباب

وقوله يصف يوما رق ظله، وراق طله، ودارت أفلاك سعادته، ودرت أخلاف إرادته:

ويوم ظللنا والمنى تحت ظله ... تدار علينا بالسعادة أفلاك

بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق بتاك

توسّدنا الصهباء أضعاف كأسه ... كأنا على خضر الأرائك أملاك

وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى ... فنحن اللآلي والمودات أسلاك

تطاعننا فيه ثُدِيّ نواهد ... نهدن لحربي والسنوّر أفناك

وتجلى لنا فيه وجوه نواعم ... يخلن بدورا والغدائر أحلاك

وقوله:

ويوم لنا بالخيف راق أصيله ... كما راق تبر للعيون مذاب

نعمنا به والنهر ينساب ماؤه ... كما انساب ذعرا حين ريع حباب

وللموج تحت الريح منه تكسّر ... تؤلف فوق المتن منه حباب

وقد نجمت قضب لدان بشطه ... حكتها قدود للحسان رطاب

وأسنع مخضر النبات خلالها ... كما أقبلت نعمى فراقَ شباب

قال: وكتبت إليه:

عسى روضة تهدي إليّ أنيقة ... تُدَبِّجُ أسطارا على ظهر مهرق

أحلّي بها نحري علاء وسؤددا ... وأجعلها تاجا بَهِيَّا لمفرقي

فكتب إلي مراجعا:

أتتني عن شخص العلاء تحية ... كرأد الضحى في رونق وتألق

أنمّ من الريحان ينضح بالندى ... وأطرب من سجع الحمام المطوق

سُطيران في مغزاهما أمن خائف ... وسلوة مشغوف وأنس مشوّق

نصرت أبا نصر بها همم العلى ... وأطلقت من آمالها كل مُوثَقِ

قال: فزارني متجهما فبسطني، وواجما فنشطني، والسماء قد نسَخ صحوها، وغيّم جوها، فأنشدني:

يوم تجهّم فيه الأفق وانتثرت ... مدامع الغيث في خد الثرى هملا

رأى وجومك فارتدت طلاقته ... مضاهيا لك في الاخلاق ممتثلا

ومن رسائله المعسولة، وفضائله المقبولة، مما تهش إليه كل نفس، مكاتبته في استدعاء صديق إلى مجلس أنس: يومنا - أعزك الله - يوم نقبت شمسه بقناع الغمام، وذهبت كأسه بشعاع المدام، ونحن من قطار الوسمي، في رداء هدي، ومن نضير النوار، على نضائد النضار، ومن نواسم الزهر، في لطائم العطر، ومن غر الندمان، بين زهر البستان، ومن حركات الأوتار، خلال نغمات الأطيار، ومن سقاة الكؤوس، ومعاطي المدام، بين مشرقات الشموس، وعواطي الآرام، فرأيك في مصافحة الأقمار، ومنافحة الأنوار، واجتلاء غرر الظباء الجوازي، وانتقاء درر الغناء الحجازي، موفقا إن شاء الله تعالى.

وله فصل من رسالة في إهداء فرس: قد بعثنا إليك بجواد يسبق الحلبة وهو يرسف ويتمهل، متى ما ترقى العين فيه تسهل، يزحم منكب الجوزاء بك منكبه، وينزل، عنه مثله حين يركبه، إن بدا قلت ظبية ذات غرارة تعطو إلى العرارة، أو عدا، قلت انقضاضة شهاب، أو اعتراضة بارق ذي التهاب، فاضممه إلى آري جيادك، واتخذه ليومي رهانك وطرادك، إن شاء الله تعالى.

وله فصل: ما روضة الحزن، وقد نفح بها النسيم بليلا، وسفح عليها الغمام دمعا همولا، فريعت أحداق أنوارها، وتفتحت نوافج آسها وعرارها، بأعطر من شكري لك وقد غص النّديّ بزواره، وقرئت آيات القطر واستقريت معالم آثاره.

وكتب عن أحد الأمراء إلى قوم علية شفعوا لجناة:

<<  <  ج: ص:  >  >>