وصفه بالفضل والنبل، والسودد الضخم والشرف العبل، وكان من أفراد الدهر الذين انتظم بهم سلكه، وصحب جياشاً حين زال ملكه، ودخل معه إلى الهند وعاهده على أن يقاسمه الأمر إذا ملك، ونعته بقسيم الملك وبه رجع إلى الملك وقال الغرض وأدرك، ونفر بعد ذلك منه جأش جياش، وافترقا عن استيحاش. وحكي أن سبب الفساد الحادث أن الوزير خلفاً شرب ذات ليلة في داره، يقضي أوطاره من أوتاره، ويعقر همه بعقاره، فغناه ابن المصري وكان محسناً قول قيس بن الرقيات يمدح بني أمية:
لو كان حَوْلي بنو أُمَّية لم ... يَنْطِق رجالٌ إِذا هُمُ نَطقوا
إِن جُولِسوا لم تَضِقْ مجالسُهم ... أَو رَكِبوا ضاق عنهم الأُفُقُ
يُحبِهُّم عُوَّدُ النِّساءِ إِذا ... ما احمرّ تحت القَلانِس الحَدقُ
قال فطرب الوزير وشرب، وخلع على من كان في مجلسه وهم ثلاثة عشر رجلاً ثلاث مرات، ثم وصلهم بصلات، ولم يزل يستعيد الصوت ويغنيه، وقد ظهرت أمارات الطرب فيه، إلى أن أسفر فلق الصباح، ونقل المجلس إلى ابن نجاح فتوهم منه واستوحش خلف، وفارقه ولم يكن له عنه خلف.
ومن شعره قوله يجيب جياشاً حين كتب إليه يستعطفه:
إِذا لم تكنْ أَرضي لِعِرْضي مُعِزَّةً ... فلستُ وإِن نادتْ إليَّ أُجيبُها
ولو أَنَّها كانتْ كروضةِ جَنَّةٍ ... من الطِّيب لم يَحْسُن مع الذُّلِّ طِيبُها
وسِرْتُ إِلى أرضٍ سواها تُعِزُّني ... وإِن كان لا يَعْوي من الجَدْب ذِبيها
[محمود بن زياد المأربي]
من مأرب مدينة السد ووصفه بكونه للملوك مداحا، ووفاداً عليهم لنوالهم ممتاحا، وكان أكرم الناس بما يملك، وله الخاطر المجيد والفهم المدرك، قال مدح الملك المفضل بن أبي البركات الحميري فوصله بألف دينار، فقال في شكره من قصيدة:
وَوهبت لي الأَلف التي لو أَنَّها ... وُزِنَتْ بصُمِّ الصخر كانت أَبْهَرا
قال وأول من نوه باسمه الأمير الشريف عيسى بن حمزة السليماني الحسني صاحب عثر فإنه وجد عنده الأثرة وتأثل وتأثر. ذكر عمارة أن والده حدثه، وكان قد عمر مائة سنة وخمس سنين، أنه لما كان دخول الغز إلى اليمن أخذت الغز الشريف يحيى بن حمزة أسيراً إلى العراق، وبقي أخوه الأمير عيسى ابن حمزة أميراً في البلاد، فلم يزل يجتهد ويكاتب ويبذل الأموال حتى افتك أخاه يحيى من العراق، ولما عاد يحيى إلى عثر دبر على أخيه عيسى فقتله وعامله بالإساءة على الإحسان. الذي فعله. فقال محمود بن زياد المأربي قصيدة يذكر فيها قتل عيسى ويرثيه، وينعي على يحيى ما فعله بأخيه. فمنها بعد غزل طويل:
خُنْتَ المودَّةَ وهي أَلأَمُ خُطَّةٍ ... وسَلَوْتَ عن عيسى بن ذي المَجْدَيْنِ
ياطَفّ عَثَّرَ أَنت طَفٌّ آخرٌ ... يا يومَ عيسى أَنتَ يَوْمُ حُسَيْنِ
قد كان يَشْفي بعضَ ما بي من جَوىً ... لو طاح يومَ الرَّوْع في الخَيْلين
هَيْهاتَ إِنّ يد الحِمامِ قصيرةٌ ... لو هَزَّ مُطَّرِدَ الكُعوبِ رُدَيْني
أَبْلِغ بني حَسنٍ وإن فارقتُهم ... لا عن قلىً وحللتُ باليمَنَيْنِ
أَني وفَيْتُ بِودّ عيسى بعدَه ... لا، لو وَفَيْتُ قلعتُ أَسودَ عَينْي
كان قد نذر أن لا يرى الدنيا إلا بعين واحدة، فغطى إحدى عينيه بخرقة إلى أن مات.
قَرَّتْ عُيونُ الشامتين وأُسخِنَتْ ... عيني على من كان قُرَّةَ عَيْني
والقصيدة طويلة. ولما انتهى الشعر إلى يحيى القاتل لأخيه غضب وأقسم وقال جلدتي الله جلدة المأربي لأسفكن دمه، فقال المأربي:
نُبِّثتُ أَنك قد أَقسمت مُجتهداً ... لَتَسْفِكنّ على حُرِّ الوَفاء دمي
ولو تجلَّدْتَ جِلْدي ما غَدرتَ ولا ... أَصبحتَ ألأَمَ مَنْ يَمْشي على قَدمِ
وله من غزل قصيدة يمدح بني نفاثة من آل همدان
ما لَقينا من الظِّباءِ الْعَواطي ... خافقاتِ القُرون والأَقراطِ
هَجَّنَتْ بالبدور والدُرّ والورْ ... د وأَزْرَت بالرَّمْل والأَخواطٍ
وله يمدح أبا السعود بن زريع: