وا أسفي كيف برء دائي ... داء كما شاءه الطبيب
لو كنت أدنو لكدت أشكو ... ما أنا من بابه قريب
أبعدني منه سوء فعلي ... وهكذا يبعد المريب
ما لي قدر وأي قدر ... لمن أحلت به الذنوب
وله في الزهد أيضاً:
لا تجعلن رمضان شهر فكاهة ... تلهيك فيه من القبيح فنونه
واعلم بأنك لا تنال قبوله ... حتى تكون تصومه وتصونه
وله في المعنى:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون ... وفي بصري غضّ وفي مقولي صمت
فحظي إذن من صومي الجوع والظما ... وإن قلت إني صمت يومي، فما صمت
وله يعاتب بعض إخوانه:
وكنت أظن أن جبال رضوى ... تزول وأنّ ودك لا يزول
ولكن الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن آدم تستحيل
فإن يك بيننا وصل جميل ... وإلا فليكن صبر جميل
وله:
كيف السلو ولي حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا
لما درى أن الخيال مواصلي ... جعل السهاد على الجفون رقيبا
ابنه الوزير الفقيه الحافظ القاضي أبو محمد
عبد الحق ابن عطية
قرظه بأنه فرع أصل العلاء، ونبع دوح الذكاء، وهو في كل علم علم، وله في كل معرفة يد وقدم. وأورد من نظمه المستجاد ما يتضوع كباء، ويتضوح ذكاء، فمن ذلك قوله من قصيدة:
وليلة جبت فيها الجزع مرتديا ... بالسيف أسحب أذيالا من الظلم
والنجم حيران في بحر الدجى غرق ... والبرق فوق رداء الليل كالعلم
كأنما الليل زنجي بكاهله ... جرح فيثعب أحيانا له بدم
وله يتخلق بأخلاق الشيب قبل المشيب من قطعة:
سقيا لعهد شباب ظلت أمرح في ... ريعانه وليالي العيش أسحار
ايام روض الصبا لم تذو أغصنه ... ورونق العمر غض والهوى جار
والنفس تركض من تضمير شرتها ... طرفا له في رهان الفتك إحضار
عهدا كريما لبسنا منه أردية ... كانت عيونا ومحت وهي آثار
مضى وأبقى بقلبي منه نار أسى ... كوني سلاما وبردا فيه يا نار
وله في الأمير عبد الله ابن مزدلي وقد قفل منصورا في بعض غزواته:
ضاءت بنور إيابك الأيام ... فاعتز تحت لوائك الإسلام
أما الجميع ففي أعم مسرة ... لما انجلى بظهورك الاظلام
ومنها:
كم صدمة لك في العدى مشهورة ... غصّ العراق بذكرها والشام
في مأزق فيه الأسنة والظبي ... برق ونقع العاديات غمام
والضرب قد صبغ النصول كأنما ... يجري على ماء الحديد ضرام
والطعن يبتعث النجيع كأنما ... ينشق عن زهر الشقيق كمام
وله يصف روضا ونرجسا غضا:
نرجس باكرت منه روضة ... لذّ قطع الروض فيها وعذب
حثّت الريح بها خمر حيا ... رقص النبت لها ثم شرب
فغدا يسفر عن وجنته ... نوره الغض ويهتز طرب
خلت لمع الشمس في مشرقه ... لهبا يحمله منه لهب
وبياض الطل في صفرته ... نقط الفضّة في خط الذهب
ومن نثره: