لله قَوْمٌ إِذا حلّوا بمَنزلةٍ ... حَلَّ النَّدى ويسير الجودُ إِن ساروا
لا يَعْجَب النّاسُ منكم في مَسيرِكمُ ... كذلك الفَلكُ العُلْويُّ دَوّارُ
والبدرُ مُذ صِيغَ لا يرضى بمنزلةٍ ... فيها يُخَيِّمُ فهو الدهرَ سيّارُ
وذكره عمارة في شعراء اليمن بعد ذكر بني عقامة وقال: وممن عاصرته، وعاشرته، وكاثرته، من بني عقامة القاضي الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الله وكان يعرف بالحفائلي وهو من أسماء المكتب وكان نبيلاً فاضلاً فقيهاً متكلماً شاعراً مترسلاً رئيساً ممدحاً، يثيب السائل ويجيب السائل إرفاداً وإفادرة، وجوداً وإجادة، وانتهت رياسة مذهب الشافعي في زبيد إليه وإلى ابن عمه القاضي أبي محمد عبد الله بن محمد بن أبي الفتوح فمن شعر هذا القاضي الحفائلي ما كتب به جواباً إلى ابن عمه أبي العز قوله:
رِفْقاً فَدَتْك أَوائلي وأَواخري ... أَين الأَضاةُ من الفُرات الزاخر
أَنتَ الذي نوّهتَ بي بين الورى ... ورفعت للسارين ضوءَ مفاخري
ومن شعره في الحداثة قوله:
وبُكْرةٍ ما رأَى الراؤون مُشبِهها ... كأَنّما سُرقت سِرّاً من الزمنِ
غيمٌ وظِلٌّ وروْضٌ مُونِقٌ وهوىً ... يجري من الروح مجرى الروج في البدنِ
غنَّتْ بها الطيرُ أَلحاناً وساعدها ... رقصُ الغصون على إِيقاعها الحسنِ
فقد سكرتُ وما الصهباءُ دائرة ... فيها ولا نَغَمات العودِ في أُذني
وقوله من قصيدة إخوانية:
تشتاقكم كلُّ أَرضٍ تنزلون بها ... كأَنّكم لبقاعِ الأَرض أَمطارُ
تقدم له هذا البيت.
وقوله في العتاب:
عَذَرْتُك لو كانت طريقاً سلكتَها ... مع الناس أَو لو كان شيئاً تقدّما
فأَمّا وقد أَفردتَني وخَصصتني ... فلا عُذْرَ إِلاّ أن أَعود مُكرَّما
قال عمارة، ومما كتب به جواباً من كتاب تشوقت فيه إليه:
إِذا فاخرتْ سَعدُ العشيرةِ لم يكن ... لأَخْلافها إِلاّ بأَسلافك الفخرُ
وبيتُك منها يا عُمارة شامخٌ ... هَوَتْ تحته الشِعْرى ودان له الشِعرُ
وحيث ذكرنا هذا القاضي الحفائلي فنذكر بني أبي عقامة، قضاة تهامة، ونقدم والده وهو:
القاضي أبو محمد عبد الله بن علي بن محمد بن علي
ابن أبي عقامة
وكان شاعراً مجيداً، ومن شعره:
ما لهذا الوَفاءِ في الناس قلاّ ... أَتُراهم جَفَوْهُ حتى استقلاّ
ومن ترسله يخاطب ابن عمه القاضي أبا حامد بن أبي عقامة وقد شجرت بينهما منافسات على الحكم: سل عني قومك ونفسك، ويومك وأمسك، تجدني معظماً في النفوس، قاعداً على قمم الرؤوس.
ومنهم:
[القاضي أبو العز عثمان بن أبي الفتوح]
ابن علي بن محمد بن علي بن أبي عقامة، وهو ابن عم الحفائلي. ذكره عمارة، في فضله بالغزارة، وفي جاهه بالنضارة، وقال ولي القضاء في الأعمال المضافة لزبيد، وكان جواداً مداحاً ممدحاً، يخلع على الشعراء ويعينهم.
وكان أبوه القاضي أبو الفتوح واحد عصره، ونسيج دهره في العلم وصنف كتباً في المذهب والخلاف، لم يتفقه أحد بعد تصنيفها إلا منها.
وفي هذا أبي العز ولده يقول القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب، وقد أوردناه في شعراء مصر، حين دخل اليمن في أيام الراهب قصيدة منها:
أَبني عَقامةَ لست مُقتصِداً ... في وصفكم بالمَدحِ ما عِشتُ
عَلِقَتْ يدي منكم بحبل فتىً ... ما في مرائر ودِّه أَمْتُ
ومن شعر أبي العز قوله في رزيق الفاتكي الوزير:
نَفْسي إِليك كثيرةُ الأَنفاسِ ... لولا مُقاساةُ الزمان القاسي
وله:
بأَيّ المعاني من كِتابِك أَكْلَفُ ... وقد لاح طُومارٌ من النَّفس أَكلفُ
ومنها في الفخر:
أَصِخْ أُذناً وانظر بعينك هل ترى ... من الناس إِلاّ من عَقامة تردف
وضمن فقال:
ترى الناس ما سِرْنا يسيرون خَلْفَنا ... وإِن نحن أَوْمَأْنا إِلى الناس وقفّوا
ومن مراثيه قوله في أهله وقد زار مقابرهم بالعرق: