للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رقعتي نحوك سيدي وسندي، وذخري وعضدي، ومن بذّ وبزّ، جمع من سبق وعزّ، فذّ دهره، ووحيد عصره، وغريب زمنه، ونسيج وحده، مدّ ربي مدتك في مربوب نعمته، ومدد نصرته، وكبت من نكب عن ودك، بعظيم ذخره ومخوف زجره، وصيره موطئ قدميك، وصريع نكبته بين يديك، وسوّغك من ضروب نعمه بهنيّه ومريّه، ومتعك من موفور قسمه بحميده ومزيده، كتبت، وكبدي تسعر بجحيم ودك، ومهجتي تصهر بسموم توقك، ونفسي تجذر من فظيع بعدك ونفسي يحصر بوجيع فقدك:

وكنتُ من بعدُ غير مَيْنٍ ... قريرَ عيش قريرَ عين

حتى رمتْني صُروف دهري ... عن قوس غدْرٍ بسهم بيْنِ

فشتّتَتْ زُمرَتي وهدّتْ ... ركني ومرّت تجري بحَيْني

عجبت من عيشتي وعمري ... وكيف بي عشتُ بين ذَيْن

فصل له من رقعة: لولا أن ذنوب الحبيب تصغر عن التأنيب، وقدر الرئيس يكبر عن اللوم والتعنيف، لكان لنا وللرئيس مجال واسع، ومتسع بالغ، فيما أتاه، إن لم نقل جناه، وفيما وعد فأخلف، إن لم نقل الذنب الذي اقترف، ومهما أجللنا قدره عن أن ينسب إليه خلف الوعد وإن كان جليلاً، ما عذره إن لم يكتب بوجه العذر أنه ما وجد سبيلاً، وقد كنا نتوقع تداني العناق، فصرنا نقنع بأماني التلاق:

فجميلُ الصبر والصف ... ح بهذا الشأن أولى

قُل ومن شاء المصافا ... ة على ذا الشّرط أوْ لا

وذكر المهم، آثر وأهمّ، فشوق البعيد شديد، وسؤال القاصي أكيد، وكلاهما على الأيام يزيد، فكِلهما الى يوم جديد.

ولده أبو عبد الله

محمد بن عيسى الفقيه

ذكر أنه كاتب شاعر، بارع ماهر، مهندس منجم، لغارب الفصاحة متسنّم، في ملتقى أولي العلم كميٌ معلم، وقد أورد من شعره ما يهزّ أعطاف القلوب مراحا، ويدير على الأسماع من الرحيق المختوم راحا، وله من قصيدة:

أفشى هواه بأدمُعِ الأجفان ... وأبتْ عليه مطالبُ الكتمان

رام التّجمُّل للوشاة فلم يُطِقْ ... فعصى النّصيحَ ولجّ في العصيان

عنّتْ له فأرَتْهُ بدراً طالعاً ... من فوق غُصنٍ بان في كثبان

هيفاءُ يحسد جيدَها ريمُ الفلا ... ظلماً ويغبِطُ وجهَها القمران

ومنها:

سلبَتْ نُهاه وأورطَتْهُ تعمُّدا ... في فِتنة من لحظِها الفتّان

إنّي ابتُليتُ بحبها وأجبْتُه ... لمّا بَدا لي شخصُه ودعاني

فلُهيتُ من ولَهي العظيم عن النُهى ... وسلوتُ من شغفي عن السلوان

قولي لهما ما تأمرين لمدنف ... كلِفٍ بحبّك هائم حرّان

سنة له لم يدر ما سِنة الكَرى ... ملقى أسنّة طرفك الوسنان

أبليت طوعاً في المحبة جِدّتي ... ورضيت قسراً في الهوى بهوان

وصرفت نحو هوى الملاح بصيرتي ... وسرحت في بيدائهنّ عِناني

حتى تبيّن لي الصوابُ وأنني ... أفنيت في طلب الضّلال زماني

فتركت لهوي واطّرحت مجانتي ... وجفوت من نبَذَ الهوى وجفاني

وله من قصيدة:

كتمتُ الذي بي فانتفعت بكتماني ... وأعلنتُ حالي فاتُّهمت بإعلاني

وما خلت أنّ الأمر يفضي الى الذي ... رأيت ولكن كل شيء يُرى وانِي

وله:

لا تعذلوه فإنه مفتونُ ... سلبت نهاه مَها القصورِ العينُ

برزت فتاة منهمُ في خدّها ... وردٌ وفي وجناتها نسرينُ

في طرفها سقم وفي ألحاظها ... غنَجٌ وفي تلك المعاطف لينُ

عنّت له وتبخترت في مشيها ... فأرت غصونَ البان كيف تلين

وترجرجت أردافها فرأى بها ... كيف انتقى كثبانها يَبرينُ

ولو أنها سفرتْ فأبدت وجهَها ... لأرت ضياءَ الصُبح كيف يَبين

أنَسيتِ ليلتنا وقد خلص الهوى ... منا وحبلُ الوصلِ وهو متين

بتنا على فرش العفاف وبينا ... نجوى ترقّ لها الصفا وتلين

والليل كالزّنجيّ شدّ وثاقه ... والنجم مطّلع عليه أمين

<<  <  ج: ص:  >  >>