هل لجَدٍّ عاثرٍ من وَثْبَةٍ ... أم لحظٍّ قاعدٍ بي من قيام
فأنا المُغْفَلُ ما بين الورى ... لا لنقصي بل لنقصٍ في الأنام
وقوله في الشيب:
يا مُشيراً بعد شيبٍ بالتَّصابي ... ضاق ذَرْعِي عن حبيب وصِحابِ
لستُ ذا حِرصٍ على لذّاته ... قَصُر الخَطْوُ فما لي من طِلابِ
القاضي ثقة الملك
أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة
من أهل حلب، سافر إلى مصر وتقدم على وزرائها وسلاطينها خاصة عند الصالح أبي الغارات ابن رُزّيك، وهو من بيت كبير من حلب، وذو فضل غزير وأدب، وتوفي بمصر في جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ومن سائر شعره ما يغنَّى به، أنشدني له بعض أصدقائه بدمشق:
يا صاحبيَّ أَطيلا في مؤانستي ... وذكِّراني بخُلاّنٍ وعُشّاق
وحَدِّثاني حديث الخَيفِ إنَّ به ... رَوحاً لقلبي وتسيلاً لأخلاقي
ما ضرَّ ريحَ الصَّبا لو ناسَمَتْ حُرَقي ... واستنقذَتْ مُهجَتي من أسْرِ أَشواقي
داءٌ تقادم عندي، مَن يُعالجُه؟ ... ونَفثَةٌ بلغَتْ مِنّي، مَنِ الرّاقي؟
يفنى الزَّمانُ وآمالي مُصَرَّمةٌ ... مِمَّن أُحِبُّ على مَطْلٍ وإملاق
يا ضيعةَ العمْر لا الماضي انتفعْتُ به ... ولا حصلت على علمٍ من الباقي
وأنشدني الشّريف إدريس بن الحسن بن علي بن يحيى الحسني الإدريسي المصري لابن أبي جرادة قصيدةً في الصالح بن رُزّيك يذكر قيامه بنصر أهل القصر بعد فتكة عباس وزيرهم بهم وقتله جماعةً منهم وقيام ابن رزّيك في الوزارة أَولها:
مَنْ عَذيري مِنْ خليلي مِن مُرادِ ... مَن خفيري يوم أرتاد مُرادي
ومنها في مدحه:
حامل الأعباء عن أهل العَبا ... آخذٌ بالثّأْر من باغٍ وعاد
من عُصاةٍ أضمروا الغدر فهم ... أهل نَصْبٍ ونِفاق وعِناد
قتلوا الظافر ظلماً وانتحَوا ... لبني الحافظ بالبيض الحِداد
واعتدى عبّاس فيهم وابنُه ... فوق عُدْوان يزيد وزياد
مثل سَفرٍ قتلوا هاديَهمْ ... ثم ضَلّوا مالهم من بعدُ هادِ
جاءهم في مثل ريحٍ صرصرٍ ... فتولّوا مثل رَجْلٍ من جراد
بعد ما غرَّهُمُ إملاؤه ... ولهيب الجمر من تحت الرَّماد
وتظَنَّوا أَنْ سترتاعُ بهم ... هل تُراعُ الأُسْدُ يوماً بالنِّقاد
وأنشدني لابن أبي جرادة في ابن رزّيك لما قتل ابن مدافع محمداً سيّد لوائه قبل الوزارة من قصيدة:
لعَمري لقد أفلح المؤمنونا ... بحَقٍّ وقد خسر المُبطلونا
وقد نصر الله نصراً عزيزاً ... وقد فتح الله فتحاً مُبينا
بمن شاد عُلياهُ واختاره ... ولقَّبه فارس المسلمينا
وكان محمد ليثَ العرين ... فأَخلى لعَمرُك منه العرينا
وقد كاد أن يتبين الرّشاد ... فأعجله الحَيْن أنْ يستبينا
ولا بدَّ للغاصب المُستدين ... على الكُره من أنْ يُوَفّي الدُّيونا
ومن يخذُل الله ثمَّ الإمامَ ... فليس له اليوم من ناصرينا
ولمّا استجاشت عليه العِدى ... وشبَّ له القوم حرباً زَبونا
سقاهم بكأْسٍ مريرِ المَذا ... ق لا يَعذُبُ الدَّهرَ للشاربينا
وأشبعَ منهم ضِباعَ الفلاة ... فظلُّوا لأَنعُمِه شاكرينا
وأنشدني الأمير مرهف بن أُسامة بن منقذ، قال: أنشدني أبو عبد الله بن أبي جرادة لنفسه:
لَهفي لفَقد شبيبةٍ ... كانت لديَّ أجَلَّ زاد
أنفقْتُها مُتَغَشْمِراً ... لا في الصلاح ولا الفساد
ما خِلْتُ أَنّي مُبتلىً ... بهوى الأصادِق والأعادي
حتى بكَيْتُ على البيا ... ضِ كما بكيت على السّواد