طاعتكم - وفقكم الله - ثابتة الرسوم، واضحة الوسوم، وصانتكم بالسلطان عصمه الله صيانة الجبان بالحياة، وإعدادكم للمكافحة عن الدولة وطدها الله، إعداد المهلب للبيات. فمالكم والشفاعة، لرعاع ندوا عن عصمة الجماعة، ونفروا وخاسوا بذمام الطاعة، وختروا ثم ودوا لو تكفرون كما كفروا فارفضوهم عن جماعتكم، وذودوهم عن حياض شفاعتكم، ذياد الأجرب، عن المشرب، نحن لا نقبل على توسل مستخف بالنفاق مستتر، ولا نقبل الخدعة من متماد على الغواية مصر.
وله يستشفع بمدل بذمام شباب صوح نوره، وبرح به الزمان وجوره: يا سيدي الأعلى وظهيري، ومنجدي في الجُلّى ونصيري، المنيف في دوحة النبل فرعه، الحنيف في ملة الفضل شرعه، ومن أبقاه الله لرحمة أدب مجفوة ينظمها، وحرمة مقطوعة يلحمها، الوفاء لمحاسن الأخلاق، وفى الله جديد أنعمك من الدروس والاخلاق، كالعلم المذهب، والخضاب الموشى لراحة الحسب، تستفيد به بهجة التكحل في العين، ورونق التشبب في مصوغ التبر واللجين، وقد رتبته النهى أشرف ترتيب، وبوبته العلى أبدع تبويب، فما أحقه بصدر النادي، وأسبقه إلى المرتبة بشرف المبادي، رعاية لأواصر الآداب، والمحافظة على الخلة في أعصر الشباب، وتذكرا بعهود الصبا وأطلاله، وأوقات اللذات المنثالة في بكره وآصاله وما أسحبت الليالي في ميادينه من لبوس، نعيم وبوس، وأجنت الأيام في بساتينه من زهرات، أفراح ومسرات، حذوا للخلق الاكمل، وأخذا بقول الأول:
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ... من كان يألفهم في المنزل الخشن
وموصله وصل الله سراءك، وأثل علاءك، أبو فلان ذاكر مشاهدك الغر الحسان، وناشر ما تعتمده في صلته من مقاصد الحسن والإحسان، ما نظمني معه سمط ناد، وما احتواني وإياه مضمار شكر وأحماد، إلا وأثبت من مآثرك خليطي الدر والمرجان، وجاء بطليعة السوابق في إمضاء مفاخرك رخي اللبب مرخي العنان، ولقد فاوضني من أحاديث ائتلافكما في العصور الدارسة العافية، وانتظامكما في زهرات الأنس في ظلال العافية، واتساقكما في حبرات العيش الرقاق الضافية، وارتشافكما لسلافة النعيم المزة الصافية، بأفانين الغيطان والنجود، وزخارف الروض المجود، ومعاطف الطرر بين خيلان الخدود، ما لو لقيت بشاشته الصخر لمنح بهجة الإيراق، ولو ألقيت عذوبته في البحر لأصبح حلو المذاق، ولو رقي به البدر لوقي آفة المحاق، ولو مر ببيداء لعادت كسواد العراق وأزمع أن يسير بنواعج لواعجه في ذلك الدو، ويطير بجناح ارتياحه إلى متقاذف ذلك الجو، ليكحل بالتماحك جفونه، ويجلو بأوضاحك دجونه، ويجدد بلقائك عهدا أنهج البين رسمه، ويشاهد بمشاهدة علائك سرور محت يد البين وسمه، ويحط من أفناء بشرك بالآهل العامر، ويسقط من أنواء برك على الحافل الغامر، فخاطبت معرضا عن التحريض، ومجتزيا بنبذ العرض ولمح التعريض، وبائحا له بأسرارك الخطرات ذكر العهود القديمة، وارتياحك للقاء مثله من أعلاق العشرة الكريمة، وأنت ولي ما تتلقاه من تأنيس ينشر موت رجائه، ويعمرؤ مقفر أرجائه، لازلت عاطفا على الاخلاء بكرم الود، قاطفا زهر الثناء من كمام الحمد.
ذو الوزارتين
أبو عبد الله محمد ابن أبي الخصال الكاتب الغافقي ثم القرطبي
ذكره مصنف تاريخ الأندلسيين وقال: مات في أول وهلة من الفتنة الثانية بالأندلس في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة. لقيته طائفه من عبيد لمتونة المتغلبين على قرطبة وهو يخرج من داره للفرار إلى موضع يتحصن فيه فذبح عند باب ولم يعرفوا قدره ولا علموا مكانه، وأما مصنف قلائد العقيان فإنه وصفه بالرواء والنباهة، والروية والبداهة، والنبل والوجاهة، والفضل والنزاهة، والوقار الواقي حلمه من السفاهة، والفخار العاري رسمه من عار العاهة، والأدب الزاخر البحر، والحسب الزاهر البدر، والمذهب الباهر الفخر، لكنه نبه على خمول منشاه، ونزول مرباه، وإنما ظهر بذاته، وتطهر من بذاذاته، وقدمته براعته، وفخمته عبارته، وبلغت به بهو البهاء بلاغته، وخصته للمراتب خصاله، وأخلصته للمناصب خلاله، وأورد من بدائعه ما بدا به سنا إحسانه، وجرى شأن شانئه حسدا لعلو شأنه، فمن ذلك قوله في مغن زار بعد الإغباب، ومحا رسم العتاب بالإعتاب:
وافى وقد عظمت علي ذنوبه ... في غيبة قَبُحَتْ بها آثاره