شرِبت بَقُّها دمي فتغنَّت ... وبراغيثُها تَواجَدْنَ رَقْصا
قد تعرَّيْتُ من ثيابي لكربي ... غيرَ أَنّي لبِست منهنَّ قُمصْا
كلَّما ازددت منعَهُنَّ بحرص ... عن فِراشي، شَرِهْن فازْدَدْنَ حِرْصا
من براغيثَ، خِلْتُها طافراتٍ ... طائراتٍ، جَناحُها قد حُصّا
عرَضَتْ جيشَها الفريقان حولي ... وَهْيَ أوفَى من أَنْ تُعَدَّ وتُحصى
لو غزا سنجرٌ بها الغزَّ يوماً ... لم يَدَعْ منهمُ على الأرض شخصا
وكنت أظن أن المعنى لم أسبق إليه، حتى أنشدني البيتين اللذين سبقا للعدل أبي علي، فأقررت له بالفضل.
وأنشدني الشيخ الأفضل أبو الفضل، عبد الرحيم، بن الأخوة قال: أنشدني أبو السعادات، علي، بن بختيار، الواسطي، رحمه الله، لنفسه:
لم يَتَعالَ المرءُ إلا نَزَلْ ... ولا تَناهَى المرءُ إلا اضمحلْ
وكلُّ شيءِ يقتضي ضدَّه ... فانتظِرِ العطلةَ بعد العملْ
وأنتِ، يا زُهْرَةُ لا تَبْذُخِي ... فبعدَ بُرج الحُوتِ يأتي الحَملْ
وذلك أن المنجمين يزعمون أن شرف الزهرة في سبع وعشرين درجةً من الحوت، ووبالها في الحمل.
وأنشدني أيضاً عبد الرحيم، بن الأخوة قال: أنشدني علي، بن بختيار لنفسه:
لا تَلُمْني على تألُّم قلبي ... لِنَوَى مَنْ إليه قلبي يَحِنُّ
فالحَنايا، وما لَها من نفوس، ... هي من فُرْقة السِّهام تُرِنُّ
وأنشدني أيضاً عبد الرحيم، بن الأخوة قال: أنشدني علي، بن بختيار لنفسه:
لا تَغْترِرْ بوِداد مَنْ ... لك وُدُّه أهلاً وسهلا
يلقاك منه بُكلِّهِ ... ملقىً، ويمنَعُك الأَقَلاَ
[عبد السيد بن جكر الواسطي]
رحمه الله تعالى.
كان أنشدني له ب أصفهان صديقي وأخي فخر الدين، أبو المعالي، بن القسام، وذكر أنه أنشده عبد الخالق، بن أسد، بن ثابت، الدمشقي ل عبد السيد الواسطي، رحمه الله تعالى:
لو كان أمري إليَّ أو بيدي ... أعددتُ لي قبلَ بَيْنِك العُدَدا
طَرفُك يَرْمي قلبي بأسهمه ... فما لِخَدَّيْك تلبَس الزَّرَدا؟
ريقتُك الشُّهْدُ، والدَّليلُ على ... ذلك نملٌ بخدِّهِ صَعِدا
وكنت أسأل - لما جئت بغداد - عنه، فما يعرفه أحد، حتى أنشدني بعض النصارى العطارين ب بغداد يقال له ابن تومه، وكنت جالساً بباب دكانه، وذكر أنه كان شيخاً إسكافاً ب بغداد من واسط:
قُمْ، نَصرِفِ الهمَّ بالصَّبُوحِ ... مَعْ كلِّ مستحسَنٍ مليحِ
ظبيٍ من التُّرْك ذي معانٍ ... وِصالُه مَرْهَمُ الجروحِ
أَشْرَبُها من يَدَيْهِ صِرْفاً ... كأنّها من دمِ الذَّبيحِ
اعتُصرتْ قلَ عصرِ شِيثٍ ... وغُيِبّت قبلَ قومِ نُوحِ
فبدّلتْها يهودُ موسى ... وصانَها أُمَّةُ المَسِيحِ
ابنة كَرْمٍ، على كريم ... زِفافُها، لا على شَحيحِ
وسألت عنه، في سنة خمس وخمسين وخمس مئة، ب واسط، فذكر لي أبو سعيد، المؤدب: أنه كان شيخاً حلاوياً، فترك الحلاوة، واشتغل بالشعر والتطايب. وكان خفيفاً على القلوب، مطبوعاً. وقرب من الأمير فاتن. وله مذ توفي أربع أو خمس سنين.
وحكى لي بعضهم: أنه دخل على الأمير شمس الدين، فاتن يوم عيد، فقال:
أَما في الجماعة من يَنْتَبِهْ ... يهنّي بك العيدَ، لا أنت بِهْ؟
وإن وقَعت شُبهة في الهلال ... فأنت على العين لا تشتَبِهْ
وأظن أنه ذكر عن غيره: أنه أنشد في الأمير شمس الدين، فاتن هذين البيتين.
ابن دواس القنا
شهاب الأمراء علي بن محمد العنبري أبو الحسن
توفي في آخر الأيام المسترشدية.
أصله من البصرة، وسكن واسطاً.
وله شعر كثير، متين. ولم يكن ب واسط من يجري مجراه في نظم الشعر.
لم يمتع بفضله، ولا أسعف بأمله، واخترمته قبل الاكتهال يد أجله.
أنشدني له ب واسط القاضي عبد المنعم، بن مقبل من قصيدة مشهورة له، يغنى بها: