إِذا أَرَدْتَ دفاعَ الحادثِ الْجَلَلِ ... فما مُقام الشِّفَارِ البيض في الْخَللِ
لولا مخافةُ حملِ الضَيْمِ ما طُبِعَتْ ... ظُبا السيوفِ ولم تُرْهَفْ ظُبَا الأَسَلِ
وله
خَلَعَ الزمانُ عليَّ حُلَّةَ مَفْخَرٍ ... شَرَفاً بمدحِ الأَفْضَل المِفْضَالِ
أَضْحَى به ليلي نهاراً بَعْدَ ما ... غَبَرَتْ به الأَيامُ وهَيَ ليال
قَرْمٌ إِذا ما جالَ في رَهَجِ الوَغَى ... أَضْحَتْ به الآجالُ في الأَوْجَال
وتَهُزُّ كَفَّاهُ طوالَ ذوابلٍ ... تغدُو بها الأَعْمارُ غَيْرَ طِوَالِ
يَلْقَى المدائحَ بالمنائحِ واهباً ... ويُصَدِّقُ الأَقْوَالَ بالأَفْعَالِ
وَسَمَتْ به العَلْيَا فأَصْبَح حافظاً ... ما ضَيَّعَ الأَغْفالُ بالإِغْفال
وإِذا أَتَتْ منه سوابقُ نِعْمةٍ ... كفلتْ مواهبُهُ لها بنَوالِ
وله من قصيدة:
ونَدْمَاني بدور التِّمِّ تَبْدُو ... بأَغْصانٍ تميسُ على روابي
ورنَّاتُ المثالثِ والمَثاني ... وفاقاً في اصطحابٍ واصطخاب
فحيَّتْ والدُّجَى يحكي انحساراً ... نُصولَ الشيبِ من تحتِ الخِضاب
براحٍ خِلْتَ كفَّ المَزْج جَادَتْ ... لمَفْرِقها بتاجٍ من حَبَابِ
صَفَتْ وصَفَتْ زجاجَتُها وأَضْحَتْ ... كأَخْلاَقِ الأَجلِّ أَبي تراب
[مجبر بن محمد بن مجبر الصقلي]
ذكره القاضي الفاضل، وقرظه بالفضائل، وهو صقلي النجار، مصري الدار، وهو قريب العصر، توفي قبل الأربعين والخمسمائة. قال ابن الزبير ينقل إلى المصريين بحكم أن نشوءه واشتهاره بمصر، غزير موارد الفكرة، واري زناد القريحة؛ نقلت من مجموع ابن الزبير قوله من قصيدة:
أَتُرَى يُفيقُ من الصبابة عاشقٌ ... قَذَفَتْ به الأهواءُ في الأهوالِ
مُغْرىً بحبِّ الغانياتِ هَفَتْ به ... هِيفُ الخصورِ ورُجَّحُ الأَكْفَالِ
غُرِسَ القضيبُ على الكثيبِ بقدِّها ... فأَتَتْ بميَّادٍ على مُنْهال
تَتَرَدَّدُ الأبصارُ فيها حيرةً ... في الحُسْنِ بين الخالِ والخلخال
غَرَّاءُ غَرَّتْها الشبيبةُ فاكتَسَتْ ... تيهَ الدلالِ وعِزَّةَ الإدْلال
ممكورةٌ مَكَرَتْ بقلبي والهوى ... يستضعفُ المحتالَ للمختال
حَلَّتْ مواشيَّ الوفاءِ وحَلَّلَتْ ... في الحبِّ قتلي وهو غيرُ حَلال
قالوا تَسَلَّ وبئس ما أَمَرُوا به ... بؤسُ المحبِّ ولا نعيمُ السَّالي
قلبي من الأجواد إلاّ أَنَّهُ ... في الحبِّ معدودٌ من البُخَّال
سُقِيَتْ ليالينا برامةَ، والهوى ... حُلْوٌ، وأيامُ الشبابِ حَوَالي
ولِجِدّةِ العشرين عندي ثَرْوَةٌ ... تُغني هُنَيْدَةَ عن هُنَيْدَةِ مالي
ومنها:
غيثٌ من الإحسانِ ما ينفكُّ مِنْ ... مَعْروفِهِ في وابلٍ هَطَّالِ
وسحابُ جودٍ كلما ضنَّ الحَيَا ... بالماءِ جادَتْ كفُّهُ بالمال
نادَى بحيَّ على النَّدَى فأَجابَهُ ... بالحمد كلُّ مُخَالفٍ ومُوَال
وأَقَرَّ معترِفاً بثابتِ فضلهِ ... من لا يُقِرُّ بمُبْدِعِ الأشكال
وله في أبي عبد الله ابن مسلم الكاتب، وكان يجري له خمسة دنانير في كل شهرٍ على تظم السيرة المصرية فسأل أن يجري له شيءٌ على الشعر، فزيد نصف دينار:
جَرَى الحديثُ فقالوا: كلُّ ذي أَدَبٍ ... أَضحَتْ له خمسةٌ تَجْرِي بمقدار
بأيِّ فضلٍ حواه ابن المُسَلَّمِ من ... دون الجماعة حتى زِيدَ في الجاري
أَجْرَوْا له خمسةً عن حقِّ سيرته ... فقالَ لا تَنْقصوني حقَّ أشعاري
نادَوْا عليه، وسعرُ الشِّعْرِ نافقةٌ ... فلم يَزِدْ قَدْرُها عن نصفِ دينار
وله من قصيدة أولها: