للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المملوك يقدم الهناءة بما يسره الله وسهله، وكمل به الإنعام وأجزله، من الظفر بالطائفة الفلانية وقط شوكتها، وإلانة شدتها، وإبادة خضرائها، وكف غلوائها ينهى أنه توجه إلى هذه الفئة واثقاً أن سعادة الدولة تعضده وتوفيقها يؤيده، ويمن تدبيرها يوضح له مناهج افقبال، وبركة أيامها تبلغه غاية الآمال، فهو يضمن لكل من يضمه الجيش أن الجبال لو عاندتها لنسفت نسفاً، والسماء لو خالفتها لسقط من كل جانب منها كسفاً، والأسد لو خافت سطواتها لما حمتها القفار، والطير لو حذرت بأسها لنبذتها إليها الأوكار، حتى تقرر في نفوسهم أن السعادة لهم شاملةٌ، ومشيئة الله بنصرهم كافلةٌ، وصاروا من مضاء عزائمهم أحد من شفار صوارمهم، فحين التقى الجمعان، وتراءت الفئتان، فما كان إلا كرجع الطرف قصراً، ومقدار ما أنيطت كل حنيةٍ وترا، انصاعوا مدحورين، وولوا الدبر مفلولين، وأصبحوا فيئاً للمنون مشهبا، واقتسمهم الفرار والبوار أيدي سبا، فغدوا بين قتيلٍ مجدلٍ وأسيرٍ مكبلٍ، يجود بنفسه، وشريدٍ يخاف من حسه.

ومن فصل: لا زالت ماضية الأحكام في الآفاق، جاريةً أناملها بمجاري الأرزاق، حالة صوارمها في أعناق عداتها مكان الأطواق، حتى تخلو السماء من الكواكب، وتطلع الشموس من المغرب، ما تفتح الزهر عن أكمامه، وتردد الزبرقان بين سراره وتمامه، ما سطعت الأهلة بلألائها، ومزقت جلابيب الظلام بضيائها.

ومن كتاب في هدية: إذا صح الاعتقاد، ذهب الانتقاد، وإذا ثبت الإدلال، حسن الاسترسال. وبحكم هذه القضية، أهديت إلى الحضرة العلية، معولاً في بسط العذر على شرف أخلاقها، وكرم أعراقها، تحفة منبسطٍ مسترسل، لا هديةَ محتفلٍ متجمل.

ومن كتاب تعزية: الخطب الحادث، الفادح الكارث، الذي كادت له القلوب أن تتبرأ من أضالعها، والعيون أن تتعوض بدمائها من مدامعها، والضحى أن يدرع جلباب الدجنة، والحوامل أن تجهض بما في بطونها من الأجنة.

إن المنية حوضٌ كل الناس وارده، ومنهلٌ كل الخليقة قاصده. المتهالك في الهلع، المتهافت في الجزع، مخالفٌ لأمر ربه، لا يستطيع دفع خطبة الموت. لا يسلم منه ملكٌ نافذ الأمر، ولا فقيرٌ خامل الذكر.

ومن تعزية ثانية: إن من الرزية ما يعد عطية، ومن المحن ما يحتسب منحة، لاسيما ومن المشهور ما جاء في الخبر المأثور، من دفن أولات الخمر، وأن وفاتهن مخيرٌ لهن من امتداد العمر، وحبذا الموت صهراً، والقبر مهراً.

ومن أخرى في العزاء بمقتول في الحرب: الدنيا دار غرور وخدعٍ، ومنزل زورٍ وطمعٍ، الموت أمرٌ لازمٌ، وحكمٌ جازمٌ، يشمل النبيه والخامل، ويحطم الزج والعامل. أكرم مصارع الرجال في معارك الأبطال، وأفضل مهالك الأجواد فوق صهوات الجياد، ولولا هذه الفضيلة، والخلة الجميلة، ما أنف الشجعان من الموت على الفراش، وتهافتت على السيوف تهافت الفراش، ورأت أن فراق النفس برماح الفوارس خيرٌ من فراقها في صدور المجالس. وفلان وقف مواقف الكرام، وأنف من فرار اللئام، وبرز في حومة اللقاء، وطعن في صدور الأعداء.

وله في العزاء بغريق من فصل: لعمري لقد نزهه الله عن سهك الجرباء، وملاقاة الحصباء، والمقام تحت أديم الأرض، وانطباق بعضها على بعض، ورفعه عن أن يذال في الجدث جبينه، ويعفر في العثير عرنينه، فجعل ضريحه في شبيهه جوداً وكرماً، وضريبه محاسناً وشيماً، فتضمنه الماء، وغطغطت فوقه الدأماء، فإذا استسقى السحاب، واستسمح التراب، فهو في البحر الوافر، واللج الزاخر، بحيث تتفرع المناهل، ويرد كل ناهل.

فصل فيمن قتل غيلة: لو كان بحيث يحمله الطرف الأجرد، ويهتز بكفه الحسام المهند، ويشرع سنان الزاعبي الأسمر، ويخرق بنوافذ النضال حجب العثير، لكان مقامه معروفاً، ونكصت عنه الجحافل ولو كانت ألوفاً، ولكنه حمامٌ حم وارده وطارقٌ لا يرد وافده، وأمرٌ سبق في القضاء المكتوب، وتبيين لعجز البشر عن مغالبة الخطوب.

ومن شعره أيضاً قوله:

وباهرةِ المحاسنِ إِنْ تَبَدَّتْ ... بليلٍ أَطْلَعَتْ بدرَ التّمامِ

وإِنْ بَرَزَتْ نهاراً في نِقَابٍ ... أَرَتْكَ الشمسَ من تحتِ الغَمَامِ

أَضاءَ جَبِينُها والشَّعْرُ داجٍ ... كذاك البدرُ يَحْسُنُ في الظلام

وقوله من أول قصيدة:

<<  <  ج: ص:  >  >>