للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحضرت عنده بعد ذلك وقرأْتُ من مصنّفاته المذهبيّة عليه، واستفدتُ منه، وأخذت عنه، وما اتَّفق لي استِملاءُ شيءٍ من نظمه، لصَرف هِمَّتي إلى استفادة ما سوى ذلك من علمه، فإنَّ زمانه أعزّ، وإحسانه لعِطف الطالب أهزّ، فاستغنيتُ عن التماس شِعره بما أنشدنيه الفقيه الشّهاب محمد بن يوسف الغزنويّ ممّا استملاه منه، فمن جملة ذلك أنه كتب إليه في الفتاوى:

أيا تاجَ الأئمَّة والمُرَجّى ... لكشف المشكلات من الأُمور

إذا ما الدارُ سهمٌ ضاق فيها ... معَ الإفراز من نفعٍ يسير

وباقيها فسهم ليس يخلو ... مع الإفراز من نفعٍ كبيرِ

فإنْ نبِعِ الكثير فهل مكانٌ ... لشُفْعَة ذلك الجزء الحقير

وهل تجري ولا إجبار فيها ... مع الحمّام والبير الصغيرِ

فأجاب ارتجالاً:

وثقتُ بخالقي في كل أمري ... ومالي غير ربّي من ظهير

أرى الشِّقص الذي لا نفعَ فيه ... كبيرٍ أو كَحمّامٍ صغير

وفي الكلِّ الخِلافُ وإنّ رَأْيِي ... لَيَثْبِتُ شُفعةَ السَّهم الحقير

وتُرْهِقُه المَضَرَّةُ حين باعوا ... فما غير التَّشَفُّعِ من مُجير

وسُئل أيضاً:

إذا ما البيعُ كان بغير عَقْدٍ ... وقد سَكَنَ التّراضي في القلوبِ

فهل من مَأْتَمٍ يُخشى إذا ما ... أعاد الخلقَ علاّمُ الغيوبِ

أَجب عمّا سُئِلتَ أُتيتَ أجراً ... من الرحمنِ كشّافِ الكروبِ

فأجاب عنه ارتجالاً:

إذا وُجِدَ التّراضي في القلوبِ ... ولا لفظٌ لداعٍ أو مُجيبِ

فلا بَيْعٌ ولا يُخشى قَصاصٌ ... عليهِ عند عَلاّم الغُيوبِ

فخُذْ هذا الجوابَ عن ارتجالٍ ... تنالُ به مُرادك عن قريبِ

ثوابَ الله أرجو في جوابي ... وحسبي بالمُهَيْمِنِ من مُثيبِ

لعبد الله ناظِمها ذنوبٌ ... وعفوُ اللهِ مَحّاء الذنوبِ

ومن ذلك قوله:

كلُّ جمعٍ إلى الشَّتاتِ يصيرُ ... أيُّ صَفوٍ ما شابَهُ تكديرُ

أنت في اللَّهوِ والأماني مُقيم ... والمنايا في كلِّ وقتٍ تسيرُ

والذي غَرَّهُ بلوغ الأماني ... بسَرابٍ وخُلَّبٍ مَغرورُ

ويكِ يا نفسُ أخلصي إنَّ ربي ... بالذي أخفتِ الصدورُ بصيرُ

وقوله:

أُؤَمِّلُ وَصْلاً من حبيبٍ وإنني ... على كَمَدٍ عمّا قليلٍ أُفارقهْ

تَجارى بنا خيلُ الحِمام كأنّما ... يُسابقُني نحو الرَّدى وأُسابقهْ

فيا ليتنا مُتْنا معاً ثم لم يَذُقْ ... مَرارةَ فَقدي لا ولا أنا ذائقهْ

وقوله:

يا سائلي كيف حالي بعد فُرقتِه ... حاشاكَ ممّا بقلبي من تنائيكا

قد أقسمَ الدَّمْعُ لا يجفو الجفون أسىً ... والنوم لا زارها حتى أُلاقيكا

وقوله:

أَمُسْتخبري عن حنيني إليهِ ... وعن زفراتي وفَرطِ اشتياقي

لكَ الخيرُ إنّ بقلبي إليك ... ظَماً لا يُرَوّيه غيرُ التلاقي

وقوله:

وما الدهرُ إلاّ ما مضى وهو فائتٌ ... وما سوف يَأْتِي وهو غير مُحَصَّلِ

وعيشُكَ فيما أنتَ فيهِ وإنّه ... زمانُ الفتى من مُجْمَلٍ ومُفَصَّلِ

وقوله:

أُؤَمِّلُ أنْ أحيا وفي كل ساعةٍ ... تمرُّ بيَ الموتى تَهُزُّ نُعوشُها

وهل أنا إلاّ مثلُهم غير أنّ لي ... بقايا ليالٍ في الزمان أعيشُها

وقوله:

كنتَ إذ كنتَ عَديما ... لِيَ خِلاًّ ونَديما

ثم أثريتَ وأعرضْ ... تَ ولم تَرْعَ قديما

ردّك الله إلى ودّيَ مَدْيُوناً غريما

الحسن بن شقاقا المَوصلي

قال العلم الشاتاني: كان شاعراً مجيداً بالموصل، وأشعاره سائرة، وأزهاره زاهرة، توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وله في نصير الدين أمير الموصل يُعرِّض برجل تولى اسمه عمر بن شكلة، بعد رجل قزويني ظالم:

<<  <  ج: ص:  >  >>