تلميذ ابن سابق، ذكر ابن الزبير في الجنان أنه كان في زمان الحافظ وكان قد أمر الشعراء أن يختصروا في الإنشاد فعمل:
أَمَرْتَنَا أَنْ نَصُوغَ المَدْحَ مُخْتَصَراًلِمْ لا أَمَرْتَ نَدَى كَفَّيْكَ يُخْتَصَرُ
والله لابُدَّ أَنْ تُجْرِي سوابِقَنَا ... حتى يَبِينَ لها في مَدْحِكَ الأَثَرُ
وقال:
يَرِقُّ لِيَ العُذَّالُ حين أَبُثُّهُمْ ... دفائنَ شكوائي بحسنِ بيان
وَأَخْرَسُ إِذْ أَلْقَاهُ عما أُريدُهُ ... كأَنِّيَ أَلْقَاهُ بغير لسان
وقال يصف الغيث:
ومن العجائبِ أَنْ أَتَى مِنْ نَسْجِهِ ... وخيوطُهُ بيضٌ بساطٌ أَخْضَرُ
[أبو الرضا سالم بن علي بن أبي أسامة]
بنو أبي أسامة كانوا أصحاب الديوان في زمان الحافظ وهذا منهم ذكره ابن الزبير في كتاب الجنان، وقال: بنو رياسة وأهل نفاسة ومعدن سماحة ورجاحة، وكان أبو الرضا واسطة عقدهم، وتاج مجدهم، واخترم قبل أن يدوم شعره.
ومن شعره قوله في مركبٍ أوقر خطباً، فغرق، والمركب يعرف بالقرافة:
قَرافَتي قد غَرِقَتْ ... وفُرِّقَتْ أَيدي سَبَا
والنارُ في قَلْبِيَ لَمّا ... أَنْ عَدِمْتُ الْحَطَبَا
وقولهه وقد استدعي إلى مجلس بعض الرؤساء:
سمعاً لأَمْرِكَ عندنا ... يا أَيُّهَا المَوْلَى وطَاعَهْ
سأصيرُ لا متأخراً ... إنْ مُدَّ لي في الصبرِ ساعهْ
[أبو المشرف الجرجاوي]
من أهل مصر، وكان في عصرنا الأقرب، ممن أورده أبو الصلت في رسالته. له في هجو قاضٍ، وقد أحسن:
قاضٍ إذا انفصلَ الخصمانِ رَدَّهُما ... إلى الخصام بحكمٍ غيرِ مُنْفَصِلِ
يُبْدِي الزهادةَ في الدنيا وزُخْرُفِها ... جَهْراً ويَقْبَلُ سِرّاً بَعْرَةَ الجَمَل
مُهَلِّلُ الدهرِ لا في وقت هَيْلَلةٍ ... ويلزمُ الصمتَ وقتَ القولِ والعَمَل
وما أُسمِّيهِ لكنِّي نَعَتُّ لكُمْ ... نعتاً أدُلكمُ فيه على الرَّجُل
ومن شعره قوله من قصيدة:
لله فيكَ سرائرٌ لا تُعْلَمُ ... يَمْضي بها القَدَرُ المُتَاحُ ويَحْكُمُ
نَبْدَا بذكركَ في المديح لأنَّهُ ... بك يُبْتَدَا وبحسنِ ذِكرِكَ يُخْتَمُ
شهدتْ لك الأعداءُ أَنَّكَ باسِلٌ ... بَطَلٌ يهابُكَ في النزال الضَّيْغَمُ
للهِ درُّكَ من كَمِيٍ مُعْلَمٍ ... يخشاهُ في الحَرْبِ الكميُّ المُعْلَمُ
هذا هوَ النصرُ العزيزُ لأنَّهُ ... نصرٌ حباكَ به الإلهُ الأعظَمُ
انظُرْ إليَّ بعينِ جُودِكَ مُنْعِماً ... يا مَنْ هُوَ المَلِكُ الجوادُ المُنعِم
[جعفر بن أبي زيد]
مصري، له:
وكم قائلٍ ليَ سافرْ إِلى ... بلادِ العراقِ تَقَعْ في الرَّخاءِ
لعمري لقَدْ صَدَقوا، في الرخاءِ ... وقَعْنا، ولكنْ بتقديمِ خاء
وله
وما قصْدُنا بغدادَ شوقاً لأهْلِها ... ولا خَفِيَتْ مذ قَطُّ أخبارُها عنّا
ولا أنَّنَا اخترْنَا على مِصْرَ بلدةً ... سواها، ولكنّ المقاديرَ ساقتنا
هذه البيات أودعها رسالةً عملها في ذم بغداد، وكفاه ذلك دليلاً على غباوته وقساوته، وغلظ طبعه، ومرض قلبه.
أبو علي حسن بن زيد بن إسماعيل
الأنصاري
كان من المقدمين في ديوان المكاتبات بمصر. وصفه القاضي الفاضل وأثنى على فضله، وأنه في فنه لم يسمح الدهر بمثله، طرقه حادث الزمان الغائظ فأحفظ عليه حسناً ولد المنبوز بالحافظ، وتقلد حوبته، وضرب رقبته، وذلك بسبب ابن قادوس، عمل بيتين هجا بهما حسن بن الحافظ، ودسهما في رقاع هذا الأنصاري، ثم سعى به إلى المذكور فأخذ، فوجدا معه، وقتل.
وله قصيدة في مدح أفضهم يصف خيمة الفرج، يدل إحسانه فيها على أن بحره طامي اللجج، ودره نامي البهج، منها:
مَجْداً فقد قَصَّرَتْ عن شأْوِكَ الأمَمُ ... وأَبدَتِ العجزَ منها هذه الهِمَمُ