أخيمةٌ ما نَصَبَتْ الآنَ أَمْ فَلَكٌ ... ويَقْظَةٌ ما نراهُ منك أَم حُلُمُ
ما كان يخطُرُ في الأفكارِ قبلك أَنْ ... تَسْمُو علوّاً على أفْقِ السُّهَا الخِيَمُ
حتى أتيتَ بها شَمَّاءَ شاهقةً ... في مارنِ الدهر من تيهٍ بها شَمَمُ
إنّ الدليلَ على تكوينها فَلَكاً ... أَنِ احتَوَتْكَ وأَنْتَ الناسُ كلهُمُ
يَمُدُّ مَنْ في بلادِ الصينِ ناظِرَهُ ... حتى ليبصر عِلْماً أنَّها عَلَمُ
ترى الكِنَاسَ وآرامَ الظباءِ بها ... أَضحَتْ تجاورها الآسادُ والأَجَلُ
والطيرُ قد لَزِمَتْ فيها مواضِعَها ... لما تحقَّقْن منها أنها حَرَمُ
لديكَ جيشٌ وجيشٌ في جوانبها ... مُصَوَّرٌ وكلا الجيشين مُزْدَحِم
إذا الصَّبَا حَرَّكَتْها ماجَ مَوْكِبُها ... فمُقْدِمٌ منهمُ فيها ومُنْهَزِم
أَخَيْلُها خَيْلُكَ اللاتي تُغِيرُ بها ... فليس تُنْزَعُ عنها الحُزْمُ واللُّجُم
عَلَّمْتَ أَبْطالَها أنْ يُقْدِموا أبداً ... فكلُّهُمء لغمار الحَرْبِ مُقْتَحِمُ
أَمَّنْتَهُمْ أَنْ يَخافوا سَطْوَةً لِرَدىً ... فقد تسالمتِ الأسيافُ والقِمَمُ
كأنها جَنَّةٌ فالقاطنون بها ... لا يستطيلُ على أعمارِهِمْ هَرَمُ
عَلَتْ فخلنا لها سِرّاً تُحَدِّثُهُ ... للفَرْقَدَيْنِ وفي سَمْعَيْهِما صَمَمُ
إنْ أَنْبَتَتْ أَرْضُها زَهْراً فلا عجبٌ ... وقد هَمَتْ فوْقَها في كَفِّكَ الدِّيَمُ
يا خيمةَ الفَرَجِ الميمونِ طائرُها ... أصبحتِ فأْلاً بهِ تَسْتبشرُ الأمَمُ
ومنها:
ما قالَ لا قطُّ مذ شُدَّتْ تَمَائمُهُ ... وكم له نَعَمٌ في طيِّها نِعَم
لو كنتَ شاهدَ شعري حين أنْظِمُهُ ... إذَنْ رَأَيْتَ المعالي فيك تَخْتَصِمُ
أَزَرْتُكَ اليومَ من فكري مُحَبَّرَةً ... في ناظر الشمسِ من لأْلاَئِهَا سَقَمُ
ترى النجومَ لِلَفْظِي فيكَ حاسدةً ... تودُّ لو أنَّهَا في المدح تنتظم
وله
منالُ الثُّرَيَّا دون ما أنا طالبُ ... فلا لومَ إنْ عَاصَتْ عَلَيَّ المَطَالِبُ
وإني وإنْ لم يسمح الدهرُ بالمُنَى ... فلي في كَفالاتِ الرِّماحِ مآرِبُ
تُقَرِّبُ لِي مُسْتَبْعَدَاتِ مطالبي ... جِيَادي وعزمي والقَنَا والقواضبُ
فما أنا ممن يقبضُ العَجْزَ خَطْوَهُ ... وَتَعْمَى عليه في البلاد المذاهب
إذا ما كساك الدهرُ ثوباً من الغِنَى ... فَعَجِّلْ بِلاَهُ فالليالي سوالبُ
وَلا تَغْتَرِرْ مِمَّنْ صَفَا لَكَ وُدُّهُ ... فكم غَصَّ بالماء المُصَفَّقِ شاربُ
نلومُ على الغدرِ الزمانَ ضلالةً ... وقد سَنَّهُ أَحْبَابُنا والحبائبُ
وله
مغاني اللِّوى حَيّاكِ غادٍ من الوَبْلِ ... وطَلَّتْ دموعُ الطَّلِّ فيكِ دمَ المَحْلِ
فلا زال هَطَّالُ الغَمامِ إذا بَكَى ... تبسَّمَ عن أَلْمَي من الرَّوضِ مُخْضَلِّ
فكم ليَ في أظلالِ دَوْحِكِ ليلةٌ ... غَدَتْ سِمةً في جَبْهةِ الزَّمَنِ الغُفْلِ
وله
أَأَطْلُبُ الرزقَ لا أُنْضِي الركابَ له ... لا تَفْرُسُ الأُسْدُ أو تَنْأَى عن الأَجَمِ
وكيف أُغْضِي على ضَيْمٍ وما رَوِيَتْ ... مني السيوفُ ولم تُسْقَ الصِّعادُ دمي
من لي بعَوْدِ زمانٍ كنتُ أَكرَهُهُ ... وكيف للمَيْتِ بالرُّجْعَى إلى الألمِ
وله
أَطارقُ طَيْفٍ أَمْ خيالٌ مُرَجَّمُ ... أَراكَ به مرأَى اليقين التوهُّمُ
سَرَى وكأنّ الأُفْقَ صفحةُ لُجَّةٍ ... كواكبُهُ فيها سفائنُ عُوَّمُ