فخليفة الله الإمام بفعله ... في أرض مصر على سِواه تشَرَّفا
مَلكٌ ملائكةُ السماء جُنودُه ... والسَّعدُ عند رِكابه إن أَوْجَفا
والله ناصره على أعدائه ... كَتبَ القضاءُ له بذلك أَحرفا
الرئيس إلياس بن علي المعروف ب
الصفّار
كانت الرئاسة بسنجار لم تزل فيهم، معمورةً بمساعيهم، حاليةً بمعانيهم، وسمعتُ أن هذا الياس ذو فضيلةٍ وفضل، ونباهةٍ ونبل، ومعرفةٍ وعُرْفٍ، وفُكاهةٍ وظرفٍ، وله شعر يقطر ماء اللطف من رقَّته، ويَزْهَرُ نور الحُسن من حَدَقَته، أنشدني له البهاء السِّنجاري بدمشق شعراً استجَدْته، وذكر أنه صنَّف كتاباً في سائر المعاني والأوصاف، وأورد أشعار النّاس في كلِّ معنى وضمَّ إليها من شعره. فمِمّا أنشدني له قوله:
يا لَلْهَوى إنَّ قلبي في يدَي رَشَأٍ ... مُزَنَّر الخَصْرِ يَسبي الخَلْقَ بالحَدَقِ
مُستعرِبٍ من بني الأتراكِ ما تركتْ ... لحاظه في الهوى منّي سوى رمَقِ
سأَلْتُهُ قبلةً أَشفي الغليلَ بها ... يوماً وقد زَرْفَن َالأصداغَ في الحَلَق
فصدَّ عنّي بوجهٍ مُعرِضٍ نثَرَتْ ... يد الحياء عليه لؤلؤَ العرَقِ
فصِحْتُ من نارِ وَجدي نحو مَن عذَلوا ... فيه وقلبي حليفُ الفِكر والقلقِ
قُوموا انظروا وَيْحَكُمْ شمسَ النهار فقد ... أَلْقَتْ عليها الليالي أَنْجمَ الأُفقِ
والده الرئيس علي الصفّار
ذكر أن له شعراً ورسائل.
نصيبين
المهذب ابن المقدسي
رأيته في سنة أربع وستين وخمسمائة بدمشق وهو كهل، وله شعر حسن وطبع رائق، وعاد بعد ذلك إلى نَصيبين، وسمعت أنه توفي، ومن شعره من قصيدة في مدح بعض القضاة الشهروزريين:
هَناكِ تَلافُ المُعَنّى هَناكِ ... ويَهْنيه أن كان ذا من رِضاكِ
فحسبي رِضاكِ وَمَنْ لي به ... ولو كان في صَفْحَتيْه هَلاكي
مُوَيْلِكَةَ القلبِ من ذا الذي ... إلى قتل مِثليَ ظُلماً دَعاكِ
وَعَنْ صَدّ صَدِّيَ مَن قد نهاكِ ... وفي وَصْلِ وَصْلِيَ مَن قد لحاكِ
وإنّي لأَهوى هوى النفس فيكِ ... وأشتاقُ شَوْقِي إلى أن أراكِ
ومِن أجل قَدِّكِ أهوى الغصونَ ... وأصبو إلى نَبَعَاتِ الأراكِ
وتحسدُ عيني على القرب من ... كِ سِمْطَ اللآلي وعُود السِّواكِ
فهذا يُصافح منك الوريدَ ... وهذا يُقبِّل بالأمنِ فاكِ
أَسِرْبَ المَها لستُ شوقاً إليكَ أصبو ولكن إلى مَن تُحاكي
فقولا للَمياءَ لا تَحْسَبي ... على البُعدِ والقرب قلبي سَلاكِ
فلي قوّةٌ تحملُ الرّاسياتِ ... وتعجِزُ عن ذَرَّةٍ مِن جَفاكِ
وبي منكِ ما بأبي أحمدٍ ... من الوَجْدِ بالمَجْدِ لا مِن هَواكِ
الجزيرة وفنك
حجة الدين
مروان بن علي بن سلامة بن مروان
من أهل طنزة، مدينة بديار بكر، الفَنَكي وزر لأتابك زنكي في آخر عهده وكذا ذو مروّة، وسخاء وفتوّة، وإباء وحميّة، له البيت الكبير، والفضل الغزير، وكانت بين عمي العزيز قدّس الله روحه وبينه الصداقة الصادقة، والمودة المؤديّة إلى الموافاة الموافقة، جليل القدر، نبيل الذكر، مُلِّي عمراً طويلاً، وأُولي بِرّاً جزيلاً، وتوفي سنة نيف وخمسين وخمسمائة، حسن الأثر، حميد الوِرد والصدر، قال علم الدين الشاتاني أنشدني بيتين له نظمهما في المنام:
وكُنّا نُرَجّي أن نعيش بغِبطةٍ ... وَنَشْفي غَليل القلبِ فانقلبَ القَدَرْ
وحالتْ صُروفُ الدهرِ دونَ مُرادنا ... جميعاً فلا عينٌ هناكَ ولا أَثَرْ
ومن شعره أيضاً ما أنشده سعد الله بن محمد المقرئ إمام المسجد بدرب السلسلة قوله من مرثية:
فلو أنّي مَلَكْتُ قِيادَ أمري ... لكُنّا في الثَّرى نَبْلَى جميعا
كما كُنّا على عهد التَّصابي ... بطيب العَيْش وُرّاداً شُروعا
قال ومن كتابٍ إليه: