وإِنّ عماد الدين أضمنعُ مَعْقِلٍ ... إِذا ما رَماك الدَّهرُ يوماً تَعَمُّدا
وأَسيرُ هذا الناس فضلاً وسُؤْدُداً ... وأَعوزُهم نِدّاً وأَكثرهم نَدى
تَفَرَّدَ إِلاّ أَنه الناسُ كُلُّهُم ... وإِن كان في عَلْيائه قد تفرّدا
مُعِزٌّ مُذِلٌّ مانِح مانعٌ معاً ... يُرَجَّى ويُخْشى واعِداً مُتَوَعِّدا
إِذا ما رمى يوماً بإيعاده العِدى ... أَقام لخوف الانتقام وأَقْعدا
جديرٌ بحلّ الأَمر أَشكل حلُّه ... برأيٍ به في كل عَشْواءَ يُهْتَدى
له قلمٌ ما هزّه في مُلِمَّةٍ ... من الدهر إِلاّ هزّ سيفاً مُهَنّدا
إِذا انْسَلَّ من بين الأَنامل خِلْتَهُ ... يُنَظّمُ في القرطاس دُرّاً مُبَدّدا
إِذا ما رنا يوماً بعين كحيلةٍ ... رأَيتَ لَدَيْه ناظرَ الرمح أَرْمدا
وإِن يتحرَّكْ يسكُنِ الخطْبُ فادحاً ... ويبيضُّ وجهُ الرُّشْدِ إن هو سَوَّدا
لأَنت عماد الدين أَحسنُ شيمةً ... وأَطيبُ هذا الناسِ أَصلاً ومَحْتِدا
فلو جاز يوماً أَن يُخَلَّدَ سيِّدٌ ... كريم بما أَسدى لكنتَ المُخَلَّدا
باب في ذكر محاسن جماعة
من الفضلاء من حمص وحماة وشيزر
[حمص]
[القائد أبو العلاء الحمصي]
المحسن بن أحمد بن الحسين بن معقل الأزدي، من أهل حمص، سمعت وحيش الشاعر بدمشق يقول: إنه توفي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وله ثلاثة أولاد فاقتسموا ديوانه أثلاثاً، وظنوه تراثاً، فقلت لهم: هذا لا يجديكم نفعاً، وإثبات شعر والدكم يوجد لكم رفعاً، فما قبلوا مني وتفرقوا به وفرقوه، ولا ثبتوا على حفظه ولا أثبتوه. له من قصيدة:
هل لسارٍ في دُجى هجركَ هادِ ... أَم لعانٍ أَسَرَتْ عيناكَ فادِ
قد تعدَّيْتَ فأَشمتَّ العِدى ... وتمادَيْتَ فجاوزتَ التَّمادي
يا صحيحَ الجسم من داء الضَّنا ... وَخَلِيَّ القلب من ضَرِّ البعاد
خَفْ مع القُدْرة من ظلمي فقد ... نُهِي القادر عن ظلم العباد
نِمْتَ عما بي وجَفْني أَرِقٌ ... لم يَدُق من كَلَفٍ طيبَ الرُّقادِ
وثَنَيْتَ العِطف عنّي لاهياً ... مُؤثراً عكس طِلابي ومُرادي
فأَبِنْ لي مُخْبِراً بالله هل ... أَنت من أَولاد شَدّادِ بن عاد
وَيْحَ قلبي ما الذي أَوْقعه ... في هوى صَعْبِ الرِّضا صعب القياد
يتجنَّى والتجنّي أَبداً ... سببٌ داعٍ إِلى نقض الوداد
وله:
دَعا مُهْجَتي رَهْنَ أَوصابها ... وَحِلف هواها وأَطرابها
وَكُفّا فلي عنكما شاغِلٌ ... بتسهيد عَيْني وتَسْكابها
فَيا لِيَ من ظبيةٍ بالحِمى ... تَتيهُ بإِفراط إِعجابها
مُقَسَّمة الحُسْن بين القِناع ... وبين اللِّثام وجِلْبابها
فبدْرُ الدُّجى فوق أَطواقها ... وحِقْف النَّقا تحت أَثوابها
ولو أَنّ يوسُف في عصرها ... لأَصبح مِنْ بعض حُجّابها
رُوَيْدكُما بو قِيذ الصُّدود ... ومُدْوى لواعجِ أَوْصابها
فأَيْن السُّلوُّ وأَين الخلاصُ ... لنفسٍ أُصيبت بأَحبابها
تملَّكها مَنْ لأَجفانه ... نِصالُ الرُّماة ونُشّابها
هذه رقيقة، رفيقة، لطيفة، طريفة، ولعل ناظمها قصد بها معارضة الرئيس أبي منصور بن الفضل الكاتب المعروف بصر بعر فيكلمته التي أولها:
تفيض نفوس بأوصابها ... وتكتمُ عُوّادَها ما بها
وما أَنصفتْ مُهجةٌ تشتكي ... هواها إِلى غير أَحبابها
ومنها:
ومن شرف الحبّ أَنّ الرِّجا ... ل تَشْري أَذاه بأَلبابها
وفي السِّرْب مُتْرِبةٌ بالجمال ... تُقَسِّمه بين أَترابها