يا أيها الملك الذي ثُنيَتْ به ... قدَما الفظاظة في صفا أصلادِه
ودَعته أرواح العدى فرمى بها ... لعَباً تلقّتْها ظُبى أغماده
واقتصرت منها على هذه النُغْبة مع الظمإ إليها، فما أوثر إثبات مديح الكفرة، عجل الله بهم الى لفح ناره المسعرة، وهذا الشاعر معذور، فإنه مأسور.
عثمان بن عبد الرحمن المعروف ب
ابن السوسي
مالطة مسقط رأسه، ومربط ناسه، ومغبط كأسه، وبه تهذب، وقرأ على أبيه الأدب، ثم سكن بلرم واتخذها دارا، ووجد به قرارا، ونيّف على السبعين، ومُتِّع ببنين، وله شعر صحيح المعنى، قويم المبنى، لذيذ المجنى، وذكر أنه أنشده لنفسه قبل وفاته بأيام قلائل، مرثية في بعض رؤساء المسلمين بصقلية تدل على ما حواه من فضائل، وهي قصيدة طويلة أولها:
ركابُ المعالي بالأسى رحلَه حطّا ... وطودُ العلى العالي تهدّم وانحطّا
فنائي مساءات الأسى متقرّب ... وقرب مسرات السرور لنا شطا
وكيف لنور الشمسِ والبدرِ عودةٌ ... وهذا منارُ المجد والعز قد قُطّا
أصيبَ فما ردّ الردى عنه رهطه ... بلى أودع الأحزان إذ ودّع الرّهطا
ومنها:
يعز علينا إن ثوى في بسيطة ... وردّ الردى عن كفّه القبضَ والبسطا
كأن حَماماً للحمام قد انبرى ... لأرواح أهل الفضل يلقطها لقطا
فيا رزء ما أنكى ويا حزن ما أبكى ... ويا دهر ما أعدى ويا موت ما أسْطى
عزاءً عزاءً قد محا الموت قبلنا ... ملوكاً كما يمحون من كتبٍ خطّا
[جماعة من شعراء جزيرة صقلية]
ذكرهم أبو القاسم علي بن جعفر بن علي السعدي المعروف بابن القطاع في كتاب: الدرة الخطيرة والمختار من شعراء الجزيرة، وهم أقدم عصراً وأسبق شعراً وقد أوردت منها غرراً والتقطت من عقدها درراً، فمنهم:
ابن القطاع مؤلف الدرّة الخطيرة
ذكر أن مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وأنه قال الشعر صبياً سنة ست وأربعين، وعمّر، ورأيت أنا بمصر من رآه وعاش الى آخر زمان الأفضل ورأيت خطّه على دفتر في سنة تسع وخمسمائة فممّا أورده من شعره قوله من قصيدة:
فلا تنفدنّ العمرَ في طلب الصبا ... ولا تشقينْ يوماً بسعدى ولا نُعْمُ
فإن قصارى المرء إدراك حاجة ... وتبقى مذمّات الأحاديث والإثمُ
وقوله من أخرى:
قهوةٌ إن تبسّمت لمزاج ... خِلْتَ ثغراً في كأسها لؤلئيّا
فاصطحبها سلافةً تترك الشي ... خ، إذا ما أصاب منها صبيا
واغتنم غفلة الزمان فإن ال ... مرء رهنٌ ما دام يوجد حيا
قطعَ العذرَ يا عذولي عذارٌ ... كهلال أنار بدراً سويّا
وقوله من أخرى في مدح الأفضل، أولها:
صاحبيّ وا أسفا ... ذي ديارُها فقِفا
واسمعا أبثكما ... من حديثها طرفا
وقوله في أخرى:
فيا نفس عدّي عن صباك فإنّه ... قبيح برأسٍ بالمشي معمَّمِ
أفِق إنّ في خمسين عاماً لحجة ... على ذي الحجى إن لم يكن قلبه عَمِ
وقوله في أخرى:
من ذا يطيق صفات قوم مجدهم ... وسناؤهم من عهد سامٍ سامِ
وحِماهُمُ من عهد حام لم يزل ... يحميه منهم ليثُ غابٍ حامِ
وقوله من أخرى:
إذا ابتسمتْ يوماً حسبتَ بثغرها ... سموطاً من الياقوت قد رُصِّعتْ درّا
وإن سفرتْ عاينتَ شمساً مُنيرةً ... تردّ عيون الناظرين لها حسْرى
وتسلب عيناها العقولَ إذا رنتْ ... كأن بعينيها إذا نظرت سحرا
ومنها:
ألا إنما البيض الحسان غوادرُ ... ومن قبحت أفعاله استحسن الغدرا
يملن الى سود القرون وميلُها ... الى البيض منها كان لو أنصفت أحرى
وقوله في وصف الرمان:
رمانة مثل نهد العاتِق الرّيم ... يزهى بلون وشكل غير مسؤوم
كأنها حقّة من عسجدمُلِئتمن اليواقيت نثْراً غير منظوم
وقوله: